هذرلوجيا
وش تكتب؟!
سليمان الفليّح

هاأنتذا تضع الورقة أمامك (بيضاء لا سوء فيها) كما هي عادة جميع الأوراق في الدنيا، إلا أن السوء غالباً ما يأتي إليها مما يكتب فيها من كلام لا سيما من (بعض) الكتاب الذين يلوون أعناق الحقائق وبعض كتاب الدوائر الرسمية الذين يقطعون أعناق الحقائق، و(بعض) كتاب التقارير الذين يلقون بأعناق الحقائق إلى زبالة ضمائرهم، وأقول: ها أنت تضع الورقة أمامك وتقول في سر ذاتك: ماذا ستكتب اليوم للقراء يا ولد؟! أولئك القراء الحبيبون جداً، والذين بعضهم يفهم ما تقول بالضبط، وبعضهم لا يريد أن يفهم، وبعضهم لا يريد أن يفهم لأنه لا يفهم.. ولكنك لا تملك لذلك تبديلا.
* وهنا (يكرّ) في ذهنك شريط الأفكار لتنتقي للقراء ما يصلح للكتابة، فتتذكر أن العالم اليوم يعيش الذكرى الخامسة (لغزوة) مانهاتن أو تفجير برجي التجارة اللذين (اُتهمت) فيهما القاعدة - أو هي كذلك وتحاول جاهدا أن تبرر هذا الهجوم بسبب انحياز أمريكا ضد قضايا (أمتك) العادلة، ولكنك سرعان ما تصرف الفكرة؛ لأن الرجل الثاني في القاعدة ها هو يهدد الآن (إن الخطوة القادمة للقاعدة) هي (ضرب الخليج وإسرائيل!!) فتقول: يا للجنون والبجاحة والجنوح!! كيف وضع إسرائيل والخليج في كفة واحدة مع أن قاعدته قد ضربت قبلا بلادك ضربات غادرة ولم تمس في كل تاريخها (الجهادي!!) خيط حذاء جندي إسرائيلي واحد، مع أنها لو فعلت ذلك قبلاً لأصبحت أنت وغيرك أول المؤيدين لها رغم أخطائها الفادحة، ولكن هيهات كما يقول المثل (فاتت يا ونيّان)!! وتبين الخيط الأبيض من الأسود.
* * *
* تقول لماذا لا تكتب عن خطاب الرئيس الأمريكي بوش الذي يهدد فيه (ابن لادن) انه قد حان الوقت لإلقاء القبض عليه، فتقول في سرك: (قديمة!!) لأن الأمريكان قد هددوا سابقاً أن مخابراتهم العتيدة بمقدورها أن تعرف حتى رقم (فانيلة) صدام حسين ولكنهم حينما احتلوا العراق كله وأصبح تحت سيطرتهم الكاملة بقيت مخابراتهم (الخارقة) ولأكثر من عام تبحث عن صدام حسين كله لا (فانيلته)، ولم تعثر عليه لولا وشاية أقرب الناس إليه!! فكيف الحال ب(ابن لادن) الذي يطاردونه منذ خمسة أعوام ولم يصدر عن مخابراتهم تقرير واحد يقنع العالم أنهم قد حددوا مكان أو منطقة بل وحتى الاقليم الذي يختفي فيه ابن لادن، فأصبحوا في نظر العالم ك(حاطب الليل) أو ك(القناص في الظلماء) أو (صائد الهواء).
* * *
ساعتها تقول يا ولد (وش لك بالداّب وشجرته) فالأجدر بك أن تكتب عن قضايا أمتك العربية (أحسن لك) أي اكتب مثلاً عن هذا المسلسل المكسيكي الذي اسمه محاكمة صدام في الوقت الذي أصبح العراق العظيم فيه ينزف من كل صوب والحرب الطائفية القذرة تطل برأسها الكريه على تاريخه المحزن (الآن) لتمزقه إرباً أرباً. ثم لماذا تقول (ارباً ارباً) مادام هنالك وللأسف الشديد بعض زعماء الطوائف والأعراق يريدون تقسيمه إلى دويلات هزيلة باسم الفيدرالية ليتحول هكذا (اربا. ارباً) من تلقاء نفسه.. ساعتها لا يملك الواحد إلا أن يقول: (صدام واحد ولا عشرين صدام، أو أن يردد المثل الشعبي العتيد (رحم الله الحجاج مع ولده).
* * *
ولكنك قبل أن تقول (جحّ يدحدر قرع) أو (فخّار يكسّر بعضه) لأن ذلك ليس من شيمتك العربية لا تملك إلا أن ترفع يديك مبتهلاً إلى العلي القدير قائلاً: اللهم أخرج العراق من محنته يا رب العالمين؛ لأنك لا تملك أكثر من ذلك أيها المواطن العربي التعيس.
* * *
ثم تقول: يا ولد هل نسيت فلسطين؟ التي قاسمت جيلك منذ الطفولة (ساندويشة الفسحة) و(قرش العيد) و(الخصم الضئيل من راتبك المتواضع) ناهيك عن حماسك المتهور للتطوع في صفوف مقاتيلها وسقوط العديد من رفاقك الشهداء من أجلها وأشعارك النارية التي تدعو إلى تحريرها الشامل من البحر إلى النهر بل وهل نسيت قصائدك الغزلية التي تحول خارطتها الملونة بين وجهك ووجه الحبيبة التي تسميها أحياناً (يافا) وأحياناً (غزة) وأحياناً (أم صفد). إذن لابد أن تكتب عن فلسطين (السليبة)، ولكنك تخجل الآن!! إن فصائلها اليوم تتصارع من أجل السلطة وشعبها يتظاهر من أجل لقمة الخبز، فهل يأكل شعبها الصابر ورق المنشورات؟ أم يرتدي يافطات القماش التي تُبجل تلك الفصائل؟
* * *
بعد أن فكرت في الكتابة عن كل تلك المواضيع تقول يا ولد (وشلك) بكل هذا ف(للقوم قوم تطاردها) فلم لا تكتب عن وطنك المملكة، ففرحة مواطن سعودي بسيط فيه يقوم باستلام بيت من يد الأمير (سلمان) ضمن المشروع الخيري للإسكان تعادل عندك كل (أفراح) ابنة امبراطور اليابان بمناسبة ميلاد ولي عهد ل(ابن الشمس)، وأن إنارة قرية نائية من قرى الشمال أو الجنوب أهم عندك من (نيران) مناورات (الاطلسي) في البحر الأبيض (المتوسخ) لكثر ما ألقي فيه من النفايات. وان مدّ طريق بين هجرة وأخرى أهم عندك من (طريق الحرير) و(خارطة الطريق) أيضاً، وإن مطاردة المشعوذين والنصابين واللصوص والمتخلفين في مدائن المملكة أهم عندك من (مطاردة) القوات الامريكية لفلول حركة طالبان في جبال الافغان.
وان توظيف شاب سعودي واحد أهم عندك من (توظيف) الحبكة الاحيائية في بنائية النص من خلال نظرية التعالق عند وديع سعادة!!
* وان ضبط صاروخ (وال) من قبل مركز ضمد الحدودي بجيزان على أيدي رجال حرس الحدود الأبطال أهم عندك الآن من (ضبط) آلاف الصواريخ البالستية والنووية في كوريا الشمالية، وان ضعف بث الجوال في بلدة ريمان غرب الرس أهم عندك الآن من (ضعف) إنتاج حقول الأرز في شرق آسيا بسبب الفيضانات.
* وان افتتاح جامعة في عرعر وكلية للبنات في ضرية أهم عندك من (افتتاح) مهرجان الأفلام التسجيلية في كان.
* وان (تخبّط) التيار الكهربائي في الشماسية أهم عندك من كل (تخبط) تمارسه التيارات السياسية العربية المعاصرة.
* وان وصول الكهرباء إلى شرق سكاكا أهم عندك من (وصول) كوندليسا رايس إلى جزر المالديف.
وان ازدحام المرور في شارع خريص أهم عندك من (ازدحام) مطار أورلي.
* * *
يتوقف شريط التفكير عندك وتسأل نفسك: (وش) كتبت حتى الآن؟
فتقول: إن الأمر متروك للقراء (!)