Thursday 14th September,200612404العددالخميس 21 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

بعد انكماش الأعمال الخيرية التقليدية نتيجة الحادي عشر من سبتمبر بعد انكماش الأعمال الخيرية التقليدية نتيجة الحادي عشر من سبتمبر
هل يوجِّه المانحون العمل الخيري نحو آفاق اقتصادية جديدة؟

* د. عقيل محمد العقيل :
تكاد الدول العربية تنفرد عن غيرها من دول العالم في مجال العمل الخيري بثلاث مشاكل أساسية تتمثَّل الأولى منها في عدم تشجيع الدول للعمل الخيري والثانية التركيز على الجانب الاستهلاكي منه على حساب التنموي، أما الثالثة فهي هيكلة المؤسسة الخيرية مالياً على أساس استمرارية التبرعات، ويتضح عدم تشجيع الأعمال الخيرية (إن لم يكن تثبيط) بجمود الأنظمة المتعلقة بالعمل الخيري حيث يغلب عليها الجانب التنظيمي لما هو موجود وإهمال إصدار تنظيمات جديدة تمهد أو تعزز قيام أعمال خيرية نوعية جديدة تساهم في رفع الإنتاج الإجمالي المحلي كما هو في الدول المتقدمة (8% في أمريكا، 3.6% في اليابان أي ما يعادل 1.8 ترليون ين ياباني).
ويتضح التركيز على الجانب الخيري الاستهلاكي على حساب التنموي في سيادة المؤسسات الخيرية المكافحة للمشاكل (الإغاثة والإسكان والإعاشة الخيرية) على حساب المؤسسات الخيرية المعززة للعمل الخيري الإيجابي (التعليم والتدريب والتطوير والبحوث ودعم المواهب والإبداعات والاختراعات ونقل المعارف والخبرات).
كما تتضح مشكلة الهيكلة المالية السيئة للمؤسسات الخيرية حال انقطاع التبرعات عنها لأي سبب كان (الحادي عشر من سبتمبر مثلاً) حيث يشير ذلك إلى عدم قدرة هذه المؤسسات على توفير الموارد المالية الدائمة من خلال هيكلة تلك المؤسسات مالياً بحيث تكون التبرعات التي تحصل عليها المؤسسة للمرة الأولى هي شرارة الانطلاق وجذوة الاستمرارية.
لماذا هذه المشاكل الثلاث؟
الأسباب متعددة يختلط فيها الثقافي بالسياسي والاقتصادي، نعم فثقافتنا لا تعترف بالتحرك الاستباقي القائم على استشراف المستقبل للتعرف على متغيراته وإعداد الخطط الإستراتيجية والطارئة للتصدي لتلك المتغيرات بما يحقق أهدافنا التنموية وبالتالي فكل ما كان يقوم به القائمون على الأعمال الخيرية أعمال إغاثية تمثِّل ردود أفعال لما يقع أمام أعينهم من مشاكل وكوارث.. كما أن اقتصاديات بعض الدول العربية (الخليجية) وضعها في مصاف الدول الغنية التي تستطيع أن تعالج قضاياها من خلال الإنفاق الحكومي بدلاً من تفعيل القطاع الخيري وبالتالي فقد تمَّ إهمال دور هذا الجانب في الداخل وتوجهت جهود المؤسسات الخيرية الخليجية للخارج وهو ما كان مثار جدل كبير وواسع بين النخب حول النتائج السلبية لمثل هذا التوجه على المدى المتوسط والمدى البعيد.. وبالتالي يمكننا القول بأن تحديد مجالات العمل الخيري من قِبل الناشطين (خصوصاً المنتمين للتيارات الإسلامية) الذين يحركهم الحماس وتنقصهم الخبرة واكتفاء المانحين (المتبرعين من مؤسسات وأفراد) بدور الممول الواثق المطمئن الذي لا يضع شروطاً للمنح ولا معايير للتقويم إضافة لتباطؤ الحكومات في تفعيل دور المؤسسات الخيرية على أسس تنظيمية سلمية ورقابية فعَّالة جعل الأعمال الخيرية تطير مع أول هبَّة ريح شديدة والتي تمثَّلت بإفرازات الحادي عشر من سبتمبر.
فما العمل؟ هل نلغي هذا الرافد التنموي في مملكتنا الحبيبة ونحرم المجتمع من فوائد المؤسسات الخيرية الفعالة؟ خصوصاً أن هناك الكثير من الميسورين السعوديين الذين يرجون ثواب ربهم {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} (11) سورة الحديد.. يعانون اليوم معاناة شديدة من ضيق القنوات الخيرية التي تمكنهم من بذل صدقاتهم وهم على اطمئنان تام بأنها ستحقق أعلى عائد ممكن لصالح المجتمع بتوجيهها إلى المقاصد الأكثر نفعاً، خصوصاً أن الغبار قد أُثير حول توجيه البعض لأموال المحسنين إلى مصارف غير معلنة مما جعل المحسنين يسألون الله ألا تكون أموالهم التي أنفقوها في سبيله قد صُرفت فيما يجعلهم تحت طائلة القانون.
والإجابة المنطقية تقول بأننا يجب أن نفعِّل العمل الخيري ليكون رافداً ثالثاً يدعم القطاعين العام والخاص في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة في البلاد من خلال تطوير أنظمته وتفعيل آلياته وتنويع أنشطته وتعزيز مقدراته وتأهيل العاملين به تأهيلاً يجعلهم قادرين على الوفاء بمتطلبات رفع كفاءته. وأعتقد أنه حان الأوان لأن يلعب المانحون دورهم في تأهيل الجهات القائمة على الأعمال الخيرية كشرط للتبرع لها أو تأسيس مؤسسات خيرية تنموية جديدة، بمعنى أن يكون دور المانحين أكبر في توجيه العمل الخيري إلى آفاق اقتصادية جديدة، آفاق تعالج المشاكل المجتمعية من جذورها تقوم على الفكر الخيري التنموي الذي يراعي المعطيات الزمانية والمكانية، وأقول آفاقاً اقتصادية لأن العلاج الاقتصادي علاج لمعظم الأمراض المجتمعية (الفقر، الجهل، المرض، التخلف... إلخ)، وهذه الآفاق تشمل تأهيل الكوادر البشرية (دفع الرسوم، الابتعاث، إنشاء المعاهد والجامعات)، وتشتمل على دعم مراكز الأبحاث والتطوير، الترجمة ونقل المعارف والعلوم، تشجيع الإبداع والابتكار من خلال تعزيز آليات التبادل الحضاري والعلمي بدعوة العلماء والخبراء ورعاية المؤتمرات إلى غير ذلك من المجالات الهامة والحيوية ذات الآثار الإيجابية على المديين المتوسط والبعيد بما يساهم في رفع مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، وتوفير فرص العمل للمواطنين.
وختاماً أود أن أوضح أن بعضاً من المانحين السعوديين وضعواً شروطاً معيارية لكل من يرغب في الحصول على دعمهم المالي، وهذه الشروط حسب علمي تشتمل على تحديد المقاصد التنموية أولاً على أن تكون مقنعة وذات قيم مضافة للمجتمع، وأن المؤسسة ذات هياكل إدارية ومالية سليمة تمكنها من تعظيم نتائج التبرعات وتحقيق شرط الاستدامة دون الحاجة للمزيد من التبرعات، كما أن بعضهم شرع في تأسيس مؤسسات خيرية تلبي متطلبات المجتمع ومعطيات الحاضر، وهذه بداية أكثر من جيدة لمستقبل واعد للعمل الخيري في بلادنا.. وكلي ثقة بأن حكومتنا الرشيدة ستعزز من هذا التوجه النبيل.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved