وكأن العالم قد خلا من همومه، فقد أضيف همّ ندرة الماء إلى الحزمة المتعاظمة التي تحاصر الإنسان في عالم مضطرب؛ فقد أظهرت الدراسات أن شحّ المياه سيكون السمة البارزة للعصر الحالي والعصور التي ستتبعه، وأن البشرية ستعاني من العطش، وتتأثر الأراضي؛ حيث ستتقلص المساحات المستغلة للزراعة؛ مما سيحرم العالم كميات كبيرة من الغذاء، كما أن قلة المساحات المائية ستزيد من حرارة الجو وتؤثر في المناخ الذي يزداد سوءاً بسبب اتساع ثقب الأوزون، ولكن كل هذه التأثيرات السلبية على الجو والمناخ والغذاء لا تقاس بما سيسببه نقص المياه من حروب واشتباكات حول الحدود؛ حيث ستسعى العديد من الدول إلى مدّ رقعتها الجغرافية للسيطرة على مصادر المياه.
ولمواجهة شحّ المياه وندرتها أعدت جميع الدول خططاً لترشيد استهلاك المياه؛ ووضعت الأنظمة لتقنين استعمال مياه الشرب، كما استنبطت طرقاً وأساليب للري والتنظيف؛ من خلال معالجة مياه الصرف الصحي، والتوسع في عمليات تحلية المياه المالحة المستجلبة من البحار والمحيطات. وبما أن هذه الطريقة مكلفة حيث يكلف جالون المياه المعالج ضعف تكلفة استخراج البترول، وهو ما لا تستطيع الكثير من الدول تحمله لقلة مواردها، وحتى الدول القادرة فإنها أخذت تعاني من تكلفة إنتاج المياه المحلاة؛ ولذلك فقد باشرت منذ وقت طويل سن قوانين لترشيد استهلاك المياه، والقيام بحملات توعية موسمية؛ لحث المواطنين على التعامل مع هذه الثروة التي لا يمكن تعويضها.
والمملكة من الدول التي تعاني من هذه المشكلة؛ إذ إن النسبة الكبرى من مياه الشرب التي تتوافر للمواطنين بأسعار مغرية هي مياه محلاة من مياه البحر، ورغم أن المملكة أكبر دولة تنتج المياه المحلاة إلا أن تكلفة إنتاجها تكلفة كبيرة لا يعرف المواطن قيمتها؛ ولهذا نجد إسرافاً وإسرافاً كبيراً في استعمال المياه؛ فنجد أن المياه المخصصة للشرب تستعمل لغسل السيارات وسقي مزروعات الزينة والتجميل والاستعمال الجائر في الغسل والاستحمام وغيرها من الاستعمالات اليومية التي لا يهتم فيها الكثير من المواطنين والمقيمين بترشيد استعمالها رغم كثرة الإرشادات وحملات التوعية التي نفذتها وزارة المياه والكهرباء، وآخرها الحملة الحالية التي تحث على استعمال أدوات ترشيد المياه التي توزعها الوزارة مجاناً، وهذه الأدوات - رغم استهانة الكثير من المواطنين باستعمالها - أسهمت في خفض نسب استهلاك المياه بصورة كبيرة لم يكن يتصور أحد - قبل استعمال هذه الأدوات التي لا تؤثر في فعالية استعمال المياه - أنها تعالج الهدر والاستعمال الجائر للمياه في بلادنا؛ فنحن نرفل بنعمة مياه وفيرة تتطلب مبالغ كبيرة تصرف على تحليتها، وتتحمل ميزانية الدولة هذه المبالغ للتخفيف عن المواطن والمقيم اللذين عليهما أن لا يفرطا في هذه النعمة؛ حتى لا نعاني من العطش مثلما يعاني آخرون.
|