Thursday 14th September,200612404العددالخميس 21 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

فيض الضمير فيض الضمير
العلاقات السعودية اليمنية (1-8) من اتفاقيات الجوار إلى الشراكة الاستراتيجية
د. محمد أبوبكر حميد

يشكل اليمن عبر العصور، بحكم تاريخه الحضاري وموقعه الجغرافي وتضاريس أرضه وكثافة سكانه، عمقاً استراتيجياً للمملكة العربية السعودية على كافة المستويات السياسية والأمنية والدفاعية والاقتصادية، كما تشكل المملكة الأهمية نفسها بالنسبة لليمن.
ونوع العلاقة بين المملكة العربية السعودية واليمن تؤثر إيجاباً أو سلباً على الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في منطقة الجزيرة والخليج خاصة والمنطقة العربية بشكل عام.
ومن يقف على تاريخ العلاقة بين المملكة العربية السعودية واليمن منذ عهدي الملك عبد العزيز والإمام يحيى إلى الآن سيجد أن فلسفة التاريخ في حركة العلاقة بين الجارين الشقيقين لا تسكن أبداً ولا تقف عند مرحلة معينة، بل تظل في حركة دائمة وتطلع إلى علاقات أكثر تطوراً وقوة وازدهاراً، وإذا لم تكن كذلك فإنها تدخل في أزمة. وسيجد القارئ السياسي للتاريخ أن النوايا الحسنة لدى القيادتين السياسيتين في البلدين الجارين ظلت متكافئة في معظم الأحوال عبر العهود، تدلل على حرص القيادتين على أداء حق الجوار والروابط الأخوية والجذور التاريخية والحضارية من جهة، والوعي بالقواسم المشتركة وأهمية وجود كل منهما عمقاً استراتيجياً للآخر. وفي ضوء هذا الوعي ظلت العلاقة بين المواطنين الشقيقين عبر مراحلهما المختلفة في حالة بحث عن صيغ واتفاقات مدروسة تعزز الثقة والعمل المشترك، وتفتح مجالات أوسع للتنسيق والتعاون على كافة المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والصحية، الأمر الذي يرسي قواعد راسخة تنطلق منها المصالح المشتركة لتصنع مناخاً للازدهار والتنمية والأمن والاستقرار لشعوب الجزيرة والخليج. وهذا ما انفتحت له الأبواب على مصراعيها بين الوطنين الشقيقين بعد توقيع اتفاقية الحدود النهائية، ودخول العلاقة بينهما إلى سوح أفضل مراحلها على الإطلاق بتوقيع عدد كبير من الاتفاقات التي تدعم اليمن وتدرك أهميته وتتيح له مستقبلاً أخذ مقعده في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
فلا عجب أن يسعى اليمن ومنظومة مجلس التعاون إلى التكامل والتوافق والانسجام، وإنما العجب أن يكون غير ذلك، فالشعب واحد، والأرض واحدة، والجذور كلها انطلقت من اليمن، والتاريخ مستمر لأنه يقوم على رابطة العقيدة الحية، التي لا تموت، بل بموت أهلها إحياء لها، فإذا كان التاريخ في قواميس اللغة أو مصطلحات الحضارات هو الماضي الذي حدث وانتهى، وانفصل عن الحاضر، فإن التاريخ عند العرب بعد الإسلام متصل لا تنفصم عراه ما داموا مرتبطين بعقيدتهم، لأن هذه العقيدة هي التي أدخلتهم إلى التاريخ وبدونها ينفصلون عنه، ويخرجون منه.
لا عجب أن تكون فلسفة تاريخ العلاقة بين الجارين الكبيرين المملكة واليمن التطلع الدائم إلى مزيد من التكامل الذي ينتقل بالعلاقة من مرحلة (تعاون الجوار) إلى (الشراكة الاستراتيجية)، وهو تطلع ووعي لم تتطلبه وحدة التاريخ فحسب، بل حتمية العقيدة، فالمملكة واليمن هما شعب الجزيرة العربية الذي حمل رسالة هذه العقيدة وانطلق بها إلى كل الدنيا.
وفكرة التوحد والتكامل بين المملكة واليمن ليست هدفاً مستجداً تقتضيه ضرورات ومصالح سياسية وأمنية واقتصادية معاصرة، بل حقيقة واقعة حدثت يوم توحدت جزيرة العرب تحت راية (لا إله إلا الله) بقيادة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتآزرت القلوب وصفت، واختفت المحن وزالت مظاهر الشرك والعصبية، فلا ثارات قبلية، ولا تمايزات طبقية، ولا سيد ولا مسود، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، فالكل أمام الله سواء.
بهذا، وعلى هذا، تآخى أهل الجزيرة العرب بقبائلهم المختلفة على المحبة في الله، وعلى الضرب في الأرض في سبيل الله، فضرب الأنصار للمهاجرين المثل الأعلى في المحبة الأخوية والإيثار، وتنادت كل قبائل الجزيرة من حجازية ونجدية ويمانية بهذه المحبة والأخوة تتسابق إليها، فلم يعرف التاريخ الإنساني حباً وإيثاراً أكثر من حب أبناء جزيرة العرب لنبيهم (صلى الله عليه وسلم) ولبعضهم بعضاً، وقد نزل القرآن الكريم من السماء يصفهم بأنهم { يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، فكان ذلك أغلى ثمن يُقدّم لأخوة صادقة حميمة مخلصة أمرهم الله بها من فوق سبع سماوات، ومذكراً لهم بهذه الأخوة حين يختصمون بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }(10) سورة الحجرات.
هكذا عاش أبناء جزيرة العرب هذه الأخوة حقيقة في أنفسهم، وقدموها مثلاً رائعاً للعالم من حولهم، وانطلقوا بها يفتحون مغاليق قلوب الشعوب والأمم بالتي هي أحسن فتدين بدينهم محبة وولاء قبل أن تطأ أقدام خيولهم أراضيها.
كانت قبائل جزيرة العرب الحجازية والنجدية واليمانية في طليعة الفتوح الكبرى إلى مصر والشام والأندلس، فكانوا هم القادة والوزراء والعلماء والقضاة على نحو ما تشهد به كتب التاريخ كانت هذه القبائل المادة الأصل التي أعطت ما سمي فيما بعد بالوطن العربي عروبته، وما كانت تلك البلدان أن تصبح عربية إلا بالإسلام الذي اختار الله انبعاثه من جزيرة العرب وانتشاره على أيدي أبنائها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved