طلبت مني إحدى وكالات الأنباء الأجنبية (......) أن أجيب على عدد من الأسئلة حول أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمناسبة ذكراها الخامسة فيما يتعلق بموقفنا، موقف المثقف العربي، وبالتحديد المثقف والمواطن السعودي من ضحاياها المدنيين ومتعلقات أخرى، مثل سؤالي عن تأثر المجتمع السعودي بتلك الحادثة سلباً أو إيجاباً.
وحيث إنني لا أرى أي أهمية لأن نستكتب من قبل الإعلام الأجنبي لنسجل سنويا بضع جمل تعاطفية مع ضحايا ذلك الحدث ما لم نقم بربط ذلك الحدث بما قبله وبما بعده، أي بطبيعة العلاقة الأمريكية الخارجية وخاصة جانب علاقتها بالعالم العربي والإسلامي التي أدت لأن يكون مقابل الـ3000 من أولئك الضحايا في تلك الحادثة بنيويورك لعام 2001م, 3000 آلاف ضحية شهريا أو ما يقاربها أو يفوقها من المدنيين بالعراق على مدى ثلاث سنوات متواصلة؛ أي منذ أن قررت أمريكا احتلال العراق 2003 بعد حربها على أفغانستان عام 2001م باسم محاربة الإرهاب انتقاما من تلك الحادثة، فقد حاولت في تلك الإجابة أن أعيد قراءة الحادثة في انعكاساتها الجارحة جراء طبيعة تلك العلاقة غير العادلة التي تقيمها أمريكا بينها وبين العالم العربي والإسلامي.
وهنا أقدم ترجمة عربية لبعض ما اجتهدت في قوله:
لا بد من القول إن هذا التاريخ 11-9-2001م قد ترك بصماته مع الأسف على حركة العديد من الأحداث التي جاءت بعده أو التي ترتبت عليه.
فهذا الحدث المدمر لم يأت من فراغ ليوجه تلك الضربة الموجعة لأمريكا بالذات وإنما جاء مع الأسف من خلال خلايا شاركت أمريكا في تربيتها بأفغانستان واستغلتها لتصفية عدوها التاريخي للقرن الماضي الاتحاد السوفيتي، ثم تخلت عنها وأدارت ظهرها لتلك القضايا العادلة التي تهم المجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء؛ مما أوقعهم في مواجهة نوع من الشعور بالخيانة.
فأمريكا استخدمتهم في مقاتلة الاتحاد السوفيتي ثم تخلت عنهم.
وإن كان ليس المقصود بقول ذلك تبرير تلك الحادثة أو القبول بقتل المدنيين فيها إلا أنه يحاول الإجابة على سؤال: لماذا توجهت الضربة لأمريكا وليس لكندا أو أستراليا أو الدول الإسكندنافية؟
فأمريكا هي الضالعة في قضية هؤلاء بالذات بدور الخصم والحكم، وبدور المدرب الذي أدخل رأسه في فم الأسد بعد أن قتله جوعا فكان طبيعيا مبادلة العنف بالعنف.
فعندما يقال في هذا الحادث المرفوض: لماذا المدنيون في نيويورك؟ تكون الإجابة: ولماذا لم يرحم أحد تاريخيا المدنيين في فلسطين وهم يقتلون على يد الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بالسلاح الأمريكي؟ ثم يكون السؤال أيضا: هل قتل المدنيين في تلك الحادثة يبرر حملة أمريكا لقتل المدنيين في الحرب الأمريكية على أفغانستان وفي احتلال العراق وفي موقفها الأخير من تأخير وقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على لبنان صيف هذا العام والتي راح ضحيتها، أو بالأحرى لم يستهدف ليكون ضحيتها إلا المدنيون اللبنانيون حيث كان ثلث القتلى من الأطفال؟
هذا عدا جرائم سجن أبوغريب في العراق وبعض السجون الأوروبية والعالم الثالث المستعارة لصالح أمريكا، واستمرار احتجاز معتقلي جونتانامو للسنة الخامسة في أبشع صورة مرت على التاريخ من صور المهانة واللإنسانية دون محاكمة تفرز البريء من المذنب.
ومع أن ليس لعاقل أن يرضى بما لحق بالمدنيين الأمريكيين من جراء صدمات نيويورك إلا أنه ليس لعاقل أن يقبل أن تتخذ أمريكا من تلك الحادثة ذريعة لتوزيع الرعب على العالم باسم محاربة الإرهاب.
فعلى الصعيد العالمي أرى أن تلك الحادثة 11-9 لم تكن مجرد حادث، بل إنها شكلت منحنًى سياسياً خطيراً خاصة فيما يخص المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي والدولي.
فلا أظن أن ضرب أفغانستان عسكريا بتلك الوحشية لخريف وشتاء 2001م واحتلال العراق ربيع 2003م كان ممكنا وإن لم يكن مستبعدا لولا تذرع أمريكا بحادث 11-9 تحت شعار ما سمته الإدارة الأمريكية بالحرب على الإرهاب والضربات الاستباقية.
فعلى الصعيد العربي والإسلامي والسعودي أيضا لم يبق إنسان، امرأة أو رجل، لم ترم تلك الحادثة بظلالها الثقيلة على حياته الشخصية وليس على حياته العامة وحسب.
فعدا استهداف المنطقة من قبل أمريكا تحديدا لأسباب اقتصادية وسياسية تحت غطاء محاربة الإرهاب، فإن كل عربي ومسلم أصبح متهما أو مرشحاً للاتهام بالإرهاب سواء كان يتسوق في شارع عام أو في المطارات أو على متن الطائرات أو في المطاعم، أو ربما في مسجد أو حتى في غرفة نومه، مع ما يترتب على ذلك من إذلال في الحصول على فيزا إلى أي من دول الغرب وخاصة أمريكا، يتساوى في ذلك طالب العلم والعامل والباحث.
هذا بالإضافة إلى مصادرة الحريات اليومية البسيطة لمن يعيش منهم في الخارج بالتنصت على هواتفهم وملاحقة حياتهم الشخصية واختلاق التهم لهم، كما في حال طالب الدكتوراه السعودي حميدان التركي وزوجته سارة الخنيزان.
هذا دون أن نُذكر مرة أخرى وأخرى بفظائع ما جرى ويجري داخل معتقل جونتانامو من هدر لأبسط حقوق الإنسان في حالة الاشتباه، وهو حق الحصول على محاكمة عادلة وضمانات قانونية ودفاعية، وقد كانت عدد من الأسر السعودية من المكتوين بنار هذا المعتقل الذي أكل عمر شباب صغار دخله بعضهم ولم يتجاوز الرابعة عشرة.
أما على مستوى تأثرنا كسعوديين بحدث 11-9 فقد كان تأثير الحدث في عدة اتجاهات.
أحدها أنها جعلت، مع الأسف، مصير دولة ذات سيادة وكيان موحد مستقل على كف عفريت، خاصة بعد الحدث مباشرة من خلال التشكيك والوعيد الذي كان يوجه إليها, ورغم خفوت تلك النغمة الانتقامية فلا زالت هناك جيوب من المحافظين الجدد بأمريكا تشرع حينا وتبطن أخرى تهديدات التقسيم والتجزئة للكيان السعودي الموحد المتمثل في المملكة العربية السعودية.
وهذا أحد الآثار السلبية البالغة التي لا يجب وما كان لها أن تكون فيما لو كانت أمريكا تحترم الروابط التاريخية التي تربطها بالدولة السعودية بالذات، وفيما لو كانت أمريكا تقيم علاقتها بمحيطها الخارجي على غير العنصرية والشوفانية ومحاولة المزيد من التتبيع وعدم العدل.
الاتجاه الآخر تمثل في محاولات التدخل الأمريكي الخارجي في الشأن السعودي الداخلي من المناهج إلى وضع النساء.
ونحن وإن كنا مع تطوير المناهج وإعادة الاعتبار وكامل الحقوق للمرأة كمواطنة وكإنسانة، بل إننا دون شك مع ضرورة النضال للإصلاح السياسي الديموقراطي يشمل المرأة والرجل ويشمل مناهج التعليم ومنهاج الحياة السياسية والاقتصادية، إلا أننا كمنتمين لهذه الأرض لا نريد بأي حال من الأحوال أن يجيء ذلك إلا من خلال التمسك بالسيادة الوطنية ومن خلال استراتيجية وطنية لا تملى علينا من زيد أو عبيد من الأطراف الخارجية بما يجعل عملية الإصلاح والتطوير تنبع من تصورنا ولا تكون نموذجاً مشوهاً أو تابعاً تبعية طرفية للغرب.
ولهذا الاتجاه على وجه التحديد انعكاسات إيجابية لأنه واجه المجتمع، وكما جاء في كلمة الملك عبد الله أمام مجلس الشورى بحقيقة أنه لم يعد في هذا العصر مكان لمن يتمسك بالجمود أو لمن يريد أن يتسمر في نفس المكان لأن حركة وتموج الأحداث إن لم تأخذ الأوطان زمام المبادرة في توجيهها نحو تغير إصلاحي نهضوي لن ترأف بالساكنين أو المتمسكنين، وقد تأخذهم هي إلى وجهة قد لم يتوقعوها ولم تكن من اختيارهم.
وهذا خلق نوعاً من التحرك الإيجابي نحو أطروحة الإصلاح والمشاركة الوطنية في القرار وإن لم تزل الخطوات أبطأ مما يتطلبه الموقف وما فرضته أحداث سبتمبر من ضرورة وضراوة المواجهة.
الاتجاه الثالث في تأثيرات الحدث على المستوى الداخلي بالمجتمع السعودي أنه أدى ولأول مرة في التاريخ السعودي السياسي إلى مواجهة ضرورة الاعتراف بتعددية المشارب السياسية والفكرية ومواقف الاختلاف فيما بينها وبين الاتجاه السياسي الرسمي وفيما بينها وبين بعضها البعض مع ضرورة إتاحة الفرصة لعلانية هذا الوجود.
وهذا الإقرار وإن لم يترجم بعد إلى فعل سياسي يتمثل في إيجاد أرضية وأطر سياسية وقانونية تسمح بهذه التعددية وسجالها السلمي ومشاركتها أيضا السلمية في قرارات إدارة البلاد عبر كيانات مستقلة ومتفاعلة مع مؤسسة الدولة من جانب وكجزء من مؤسسات المجتمع المدني من جانب آخر إلا أنه أوجد مناخا لا يتستر على التعدد والاختلاف كما لا يعتبره، كما كان الأمر في السابق، نقيصة وطنية أو خللاً في وحدة الانتماء أو في الولاء.
فقد صار ما يشبه المراجعة في ضوء حدث سبتمبر تبين فيها أن أحد أسباب التطرف ربما يرجع في جزء منه إلى (الكبت السياسي) إذا صح التعبير وإلى عدم توافر شفافية كافية كان يمكن أن تتيح عمل العلن وفي ضوء الشمس بدل التحول إلى العمل في الظلام على ما قد يجره ذلك من غوايات للشباب وتقسيم للمجتمع.
على أنني أختم هذه الإجابات على تساؤل وكالة الأنباء (.....) في ذكرى أحداث سبتمبر بقول مختصر هو أن الكثير من السلوكيات السياسية خاصة في العلاقات الخارجية الأمريكية مع دول المنطقة بعد أحداث سبتمبر قد أثرت بشكل سلبي درامي على مسيرة الديموقراطية كواحدة من أهم القيم الحضارية التي جرى التوصل إليها عبر تراكم طويل من النضالات التاريخية بالمجتمعات الإنسانية.
هذا فيما أرى أنها كان يجب أن تخلق حالة من التوحد العالمي بتوسيع دائرة الحوار وخلق علاقات ديموقراطية على مستوى العلاقات الدولية، فبعض أسباب ذلك الحدث المروع كان الشعور بالظلم الذي تمارسه القوى العظمى على المنطقة ومساندتها لقوى الغبن فيها كدولة إسرائيل خاصة ما يتعلق بقضاياه العادلة كالقضية الفلسطينية.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد
|