Monday 11th September,200612401العددالأثنين 18 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

الأمن العربي الأمن العربي
مالك ناصر درار

* يعيش عالمنا العربي اليوم في ظل متغيرات عدة، لعل في مقدمتها اتجاه العالم بأسره للتعايش مع مفهوم العولمة في السياسة والاقتصاد والثقافة، لكن الأهم والأخطر هو تأثير ذلك على الأمن.
* لقد خصص معهد دراسات الدفاع والتحليلات بالهند مؤتمره السنوي الثامن الذي عُقد في نيودلهي من 29 يناير إلى أول فبراير 2006م لقضية الأمن في غرب آسيا وشمال إفريقيا، وهو الاسم الذي يطلقه الآسيويون على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أو ما نسميه نحن العرب (المنطقة العربية) أو (العالم العربي)، ولا شك أن هناك اختلافاً جوهرياً بين التسميتين، وهو الشمول، فالتسمية العربية لا تأخذ في الحسبان سوى البعد الثقافي القائم على مفهوم اللغة العربية، ومن ثم تستبعد الدول الأخرى في الإقليم وبالتحديد إيران وتركيا وإسرائيل، باعتبارها دولاً غير عربية.
* ومع أن الدعوة وجهت للباحثين والمفكرين من مختلف دول الإقليم فإن المشاركة العربية لم تكن شاملة فلم يحضر أي باحث من مصر أو سوريا أو العراق أو تونس أو المغرب أو اليمن، حقيقة أن الدعوة كانت شخصية للباحثين، فإذا اعتذر واحد أصبحت بلاده غائبة، وهذا أمر ينبغي على الباحثين والمفكرين والأكاديميين أن يأخذوه في الحسبان، فرغم أن الدعوات شخصية فإن ثمة مسئولية أدبية غير مباشرة على الباحث، ومن ثم إذا رغب في الاعتذار لظروف خاصة به يمكنه أن يقترح بديلاً عنه.
* دارت محاور المؤتمر حول بيئة الأمن الدولي في غرب آسيا، التصورات المختلفة للأمن الإقليمي، أمن الطاقة، أسلحة الدمار الشامل في غرب آسيا، المناهج الإقليمية وخارج الإقليم تجاه الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية، التحديات غير التقليدية للأمن، الهند وغرب آسيا.
* وافتتح المؤتمر وزير الدفاع الهندي براناب مكرجي الذي أبرز علاقة بلاده التاريخية بالمنطقة العربية وإيران وتركيا وإسرائيل والتأثير المتبادل للطرفين.. كما أشار إلى دعائم العلاقات الحديثة المتمثلة في النفط والعمالة والتجارة والاستثمارات، وعلى الجانب الأمني أشار للإرهاب والتطرف وكرر تأييد بلاده لقضية الشعب الفلسطيني، ورحب بالتطورات الإيجابية في الانتخابات العراقية والفلسطينية، وبزيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك السعودية للهند.
* المحور الأول كان بيئة الأمن في غرب آسيا ودار حول حالة عدم الثقة بين الأطراف داخل الإقليم، وبعض أطراف الإقليم والدول خارج الإقليم، وحظي موضوع البرنامج النووي بالاهتمام منذ اللحظة الأولى للمؤتمر، وكان الباحث الإيراني مصطفى زهراني مدير عام معهد الدراسات السياسية والدولية في طهران من أوائل المتحدثين في هذا المحور.. كما دار نقاش مطول حوله، وكان واضحاً عدم تعاطف أو اقتناع معظم المشاركين من الأجانب والهنود والعرب بالطروحات الإيرانية.
* المحور الثاني الرؤى والتصورات المختلفة للأمن الإقليمي في المنطقة، سواء في علاقة شمال إفريقيا بأوروبا، وعملية برشلونة وغيرها من المبادرات الأوروبية المتوسطية، أو تصورات مجلس التعاون الخليجي، أو التصورات الإيرانية، أو مواقف الهند بشأن الخليج، خصوصاً فيما يتعلق بأمن وسلامة الملاحة البحرية، وبرز من بين تلك التصورات مفهوم الأمن الإنساني المرتبط بالتنمية البشرية من ناحية وبالإرهاب من ناحية أخرى.
* أما المحور الثالث فقد خُصص لأمن الطاقة، وارتباط ذلك بالاقتصاد الدولي، وكان من بين أطروحات ذلك المحور: هل يمكن الاستغناء عن نفط الخليج كما تشير إلى ذلك بعض الدعاوى الدولية؟ وهل يمكن تحقيق الاعتماد أو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة لأية دولة؟.. وبرز شبه إجماع على أن وضع النفط والغاز في الخليج لا يمكن الاستغناء عنه، وأن مسائل الاكتفاء الذاتي غير ممكنة في عالم يقوم على التشابك والتداخل، وأن الاتجاه العالمي هو نحو مزيد من التعاون.
* أما المحور الرابع فقد دار حول أسلحة الدمار الشامل، وكانت أبرز مقولاته تدور حول البرنامج النووي الإيراني، والبرنامج النووي الإسرائيلي، وفي حين أبرز معظم من تحدثوا في الموضوع من باحثين آسيويين وأوروبيين خطورة البرنامج النووي الإيراني، فإن الباحثين العرب أبرزوا خطورة البرنامج النووي الإسرائيلي أيضاً، وهو ما رفضه الباحثون من إسرائيل الذين دافعوا عن برنامجهم، ووجدوا تعاطفاً معتدلاً، في حين أن الإيرانيين عندما دافعوا عن برنامجهم لم يجدوا تأييداً يُذكر من أي من الباحثين.
* وكان المحور الخامس مخصصاً للرؤى والمقاربات المختلفة من داخل الإقليم وخارجه حول الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية، وساد اتفاق على أن منطقة غرب آسيا وبالذات المنطقة العربية هي أكثر مناطق العالم تخلُّفاً في الديمقراطية، وإن برزت فيها بعض الإرهاصات، والتحركات فهي في إطار حرص النظم الاستبدادية والسلطوية العربية على البقاء، ومن ثم فهي أقرب للمناورة منها للنيات الحقيقية للإصلاح، وحظي الموقف الأمريكي باهتمام خاص باعتباره موقفاً متناقضاً في طروحاته وشعاراته، يرفع مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وفي ممارساته العملية في غزو العراق، وفي مساندة إسرائيل وأعمالها القمعية ضد الفلسطينيين، وأيضاً في مساندته للنظم الاستبدادية في المنطقة العربية، فإنه يفعل النقيض، ومع هذا برزت في هذا المحور أيضاً آراء بأن الإصلاح عملية مستمرة ولا بد من مراعاة خصائص الدول المختلفة وتراثها، ولفت النظر إلى أن بعض الباحثين الأتراك قدموا ما أطلقوا عليه النموذج التركي في الديمقراطية والأمن، وأنهم يمكن أن يضطلعوا بدور في مساندة الحوار الديمقراطي بين أوروبا والشرق الأوسط، وأن تستفيد الدول العربية من نموذجهم الديمقراطي والإسلامي المعتدل.
* وتكرَّس المحور السادس للتحديات غير التقليدية للأمن، وفي مقدمة تلك التحديات الأصولية الإسلامية، والإرهاب والاستبداد، ومفاهيم الجهاد، والقرصنة الملاحية.
* وكان المحور الأخير حول الهند وغرب آسيا في محاولة للبحث عن سياسة الهند ومصالحها في المنطقة، وتركزت على العمالة الوافدة خصوصاً الهندية التي تصل إلى 4 ملايين هندي في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحويلات العمالة من الأموال لبلادها، ودورها في عملية التنمية في تلك المنطقة وما تواجهه هذه العمالة من مشكلات عديدة.. كما تطرق هذا المحور للعلاقات التاريخية والحديثة بين الهند وغرب آسيا، وإلى الركائز الراهنة، وأبرز أن الهند يمكن أن تطور سياساتها لكي تضطلع بدور أكبر في تحقيق الأمن والاستقرار في الإقليم دون افتئات، أو بالتنسيق مع الموقف والسياسات الأمريكية المهيمنة في المنطقة.
* ولعل مثل هذا المؤتمر المهم يطرح أمامنا عدة تساؤلات في مقدمتها: ما هو دور الإقليم خصوصاً الدول العربية في تحقيق أمنها؟ وقد لُوحظ شبه غياب لهذا الدور، وهو الأمر الذي يُعد انعكاساً للواقع المرير المرتبط بتمزق الدول العربية وتشتتها، ومن ثم وقوعها فريسة للقوى الإقليمية غير العربية أو القوى الدولية.
* والتساؤل الثاني حول ارتباط الأمن اليوم لدى كثير من السياسيين والباحثين الأكاديميين بالظواهر الحديثة وفي مقدمتها الإرهاب الديني والتطرف والأصولية والديمقراطية، وهذا المفهوم الذي خلصت إليه الولايات المتحدة في دراساتها عن إستراتيجية الأمن الأمريكي بعد 11 سبتمبر، وأصبح مثل هذا المفهوم هو السائد الذي تُقتبس منه وتتأثر به أدبيات الأمن في العديد من الدول على اختلاف مشاربها من روسيا والصين إلى الدول العربية وإيران وتركيا وإسرائيل وأوروبا، ومرة أخرى يلاحظ غياب مفهوم عربي للأمن، وهذا مرتبط بالتساؤل الأول أن غياب الفكر العربي والسياسة العربية الموحدة أدى إلى غياب المفاهيم المشتركة ومن ثم سيطرت على مفاهيم العرب الأفكار الجاهزة المستوردة من الخارج.
* أما التساؤل الثالث فيرتبط بوضع المنطقة العربية الذي أصبح على هامش السياسة والفكر الدوليين، وأصبح موضوعاً يبحث أكثر منها فاعلاً في السياسة الدولية برغم أن لديها الموارد الطبيعية الضخمة، والقدرات البشرية، والموقع الإستراتيجي، لكن انعدام الإرادة السياسية الموحَّدة هو العمدة في غياب العرب وتهميشهم.. ففي الوقت الذي يتجه العالم فيه للتوحُّد والتكتل في أوروبا وآسيا وأمريكا، بل وحتى إفريقيا، فإن العرب يتجهون لإثارة النعرات الطائفية والإثنية، بما يؤدي إلى مزيد من التقسيم والضعف والتخلُّف.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved