الأمم المتحدة وهيمنة الكبار

قليلون هم الذين يستطيعون التجول بمثل هذه السهولة في عواصم متناقضة التوجهات، ومع ذلك فالسيد كوفي عنان أمين عام الأمم المتحدة يتجول منذ أسبوع من دولة إلى أخرى، فقد زار لبنان وإسرائيل وسوريا وقطر وبعدها إيران، ولا يزال يقوم بهذه الجولة المتفردة.
على أن قدرة عنان للتجول بين هذه العواصم المتباينة الرؤى لا ينم عن قدرات خارقة يتمتع بها الأمين العام، فالأمر يتعلق بالمنصب الذي يحتله، وهو منصب يقول البعض إنه يجعله بمثابة رئيس للعالم، كما أنه منصب حيادي، باعتبار أن الأمم المتحدة هي بيت العالم الذي يلجأ إليه كلما ألمَّت به مصيبة تحتاج إلى جهد جماعي، أو هكذا يفترض أن تكون.
فالأمين العام في المنطقة لمتابعة تنفيذ عدة قرارات صدرت من مجلس الأمن وعلى رأسها القرار الدولي 1701 الخاص بانتهاء الحرب في لبنان، وهناك أيضاً القرار الخاص بالصراع النووي الإيراني الغربي الذي رفضته إيران، فضلاً عن قرار ثالث بشأن السودان، ومن المحتمل أن عنان قد تحسس آثاره في بعض الدول التي زارها، وفيما يتصل بالقرار 1701 فهناك فقرة تنص على منع تدفق الأسلحة إلى لبنان والمقصود عدم وصولها إلى حزب الله، وقد حصل عنان من سوريا وإيران على تأكيدات بعدم إرسال السلاح إلى لبنان، كما حصل من إسرائيل على تعهد بالانسحاب من جنوب لبنان حالما تتمكن قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) والجيش اللبناني من الانتشار في المنطقة.
وتُظهر الجولة الأمم المتحدة بمثابة المنظمة الفاعلة خصوصاً أن ذلك ينظر إليه معطوفاً على تحركات في عدة اتجاهات، فهناك على الأرض ما يشير إلى زخم أممي يتعاظم في شكل قوات دولية يتم إفراغها يوماً بعد الآخر تحت رايات وشعارات الأمم المتحدة في شواطئ لبنان الجنوبية، وهناك هذه القرارات المتتابعة بشأن لبنان وإيران والسودان، وكلها أمور قد تقنع المراقب أن المنظمة الدولية تملك من السطوة والهيمنة الكثير..
لكن هل الواقع هو ذلك فعلاً؟؟ الذين يعرفون آليات صدور القرارات الدولية يرون أن كل هذه القرارات كانت تعبر عن توجهات لقوى بعينها في العالم، وأنه على سبيل المثال عندما كان العالم يتطلع إلى وقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل في أسبوعها الأول، فإن ذلك لم يتحقق لأن الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لعمل من مثل هذا النوع وبهذه العجالة، فقد كانت واشنطن تتطلع إلى سحق حزب الله، لكن إسرائيل أخفقت في إنجاز المهمة سريعاً، ومن ثم فقد حصلت على وقت إضافي لكنها فشلت أيضاً، ولذلك فقد كان من المهم أن يصدر قرار دولي بوقف الحرب طالما أن الأحداث لا تسير في الاتجاه المرسوم وقد تحقق ذلك من خلال القرار 1701 .