* والحديث عن التعليم، حديث ذو شجون، كما يقولون. وهو هاجس ولي الأمر -حفظه الله- وهَمُّ المسؤولين الذين تحمَّلوا مسؤوليات جساماً، ولكنهم لم يصلوا به إلى ما يمكن أن يسمى بر الأمان. واللحاق بالأمم المتقدمة ليس مستحيلاً، إذا صح العزم وصدقت النيات. والعجب أننا حين نسمع حثَّ ولي الأمر المسؤولين عن التعليم بعامة للارتقاء به، وأن المال - بفضل الله- متاح ولم يبق إلا العمل، ثم لا نرى صدى لهذه الدعوة الكريمة، يعرونا الأسى إلى ما يشبه الحزن، لأن التعليم في ارتقائه وهبوطه، هو عنوان أي أمة، بقدر ما تعمل، وبقدر ما تنفق.. وأكبر الظن أن أي مسؤول منا في هذه الدائرة الضخمة، لا يقبل أن يخفق في أمانيه ورسالته التي أنيطت به، وتقبل وتحمل تبعاتها، ويسيئه أن يرى أمماً ارتقت بهذا المرفق الأساس المهم بإمكانات لا ترقى إلى المتاح لنا، ونحن ما زلنا نعيد ونزيد ونقلب تصوراتنا، ويضيع زمن طويل دون أن يُستثمر كما ينبغي فيما ينفع البلاد والعباد، مما يحسب تقصيراً وتفريطاً على من تحمَّلوا هذه الأمانة، ولكنهم ربما لا يملكون عزيمة.. وهذا التفريط في الأمانات، محسوب على أصحابه، كما يحسب للإنسان ما أنجز وحقق لوطنه والأمة بعامة.. ولعل قصورنا في بلوغ الشأو، مشكلة التردد وعدم الإقدام.. وما أجدر غير القادرين، أن يتنازلوا عن أي عمل لا يستطيعون تحقيق نجاحه، فذلك أجدى لهم وأقوم!
* وأجنح في هذه الوقفة إلى آراء آخرين من كتابنا، خاضوا وتحدثوا عن همّ التعليم في بلادنا، فالأخ هاشم عبده هاشم، كتب بتاريخ يوم السبت 18-7-1427هـ، تحت عنوان: (تدني مستوى الخريجين لماذا؟)، فقال: تلك المشكلة هي تدني المستوى العام لخريجي وخريجات الثانوية إلى الحد الذي لا يستطيع أن يصدق فيه الإنسان أنه يقف أمام طالب أو طالبة قضيا في سلك التعليم المنتظم (12) عاماً. ثم قال: ولعلي أتحدث عن تجربة لصيقة لعضو هيئة تدريس أمضى في الجامعة أكثر من (15) عاماً.. لقد صدمني ما وجدت ولمست من هشاشة فكرية وضحالة علمية، فضلاً عن تردي المستوى العام للكثيرين من خريجي الثانوية العامة، سواء في خطوطهم أو لغتهم أو تراكيبهم أو أساليبهم، فضلاً عن الهزال الشديد في أرصدتهم المعلوماتية بشكل مخجل وغير معقول. وقال الكاتب: (إن هذا الواقع المؤلم ينذر بكارثة).
* هذه الحال المرة كالعلقم، طفقنا نرددها عبر عقود، ومع توالي السنين وازدياد عدد الطلبة من الجنسين، إلى حد جعلنا اليوم نشعر بخطر داهم، ولست أهول في التعبير، وإنما المشهد التعليمي نفسه ينذر بمكروه، استطيع القول إننا قد نقف حائرين أمامه، لأنا لم نستدركه مبكراً والمشهد أمام أعين المبصرين المدركين لنتائج مخيفة، بل كارثة، كما قال رئيس تحرير عكاظ. وقد رددت هذا القول عبر وقفات سابقة عن هذه الأخطار.. ومن حسن الحظ، أنني رصدتها في كتاب ضخم أسميته: (من أحاديث الحياة)، ليبقى للتاريخ. وكم أتمنى أننا نستطيع استدراك هذا الأمر غير الهيّن عبر الأيام القادمة القريبة. وينبغي أن تستعين وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، بكل السبل من داخل الوطن ومن خارجه، ومن المؤسسات المتخصصة في شؤون التعليم العام والجامعي. وهذه السبل متاحة، غير أنها تتطلب من يسعى إليها، لتحقيق حال من الرقي التعليمي، الذي لم نستطع أن يتهيأ لنا. وهذه الأمور لا تأتي تلقائية، ولكن كما أردد - بقدر ما تعطي بقدر ما تحقق - بتوفيق من الله.. ولن أقول لا نعجل، فكل يوم يمضي دون استثماره، سيكون خسارة تقود إلى ما يخيف بحق.. فهل سنسعى حديثاً إلى ما نسميه تخطيطاً، لأنه عندي أنه غائب أو فاقد الإيجابيات، ثم توسيع دائرة العمل، لنخرج من زواياه الحادة، إلى آفاق أخرى عالمية عالية. وإذا كنا اليوم قد فتحنا الباب مجدداً للابتعاث إلى الخارج، فإن هذا لا يشمل إلا بضعة آلاف، ولكن ما هي حال الملايين، ولاسيما في التعليم العام؟ وأنا منذ عقود أكتب وأركز على التعليم العام لأنه أساس البنية التعليمية بلا جدال. وإذا صلح فقد يصلح التعليم الجامعي تبعاً لذلك، وإذا تردى التعليم العام، فإن الجامعات، لا تملك معجزات تصلح ركاماً يسير إلى الوراء، وليس إلى الأمام..
* وقرأت في عكاظ، بتاريخ الثلاثاء 21-7-1427هـ، للأخ خالد بن فيصل الفرم، في زاويته: (أزمة التعليم العالي! ما الحل؟).. ذكر الكاتب أن وزير التعليم العالي انتقد أداء التعليم العالي، كما أن هذا التراجع نتاج خطط وأداء وزارة التعليم العالي التي انتهجت إستراتيجية تنميط وتوحيد الجامعات السعودية بصيغة واحدة وأسلوب واحد، بينما الأصل هو التمايز والتنوع وفق المعايير المعتمدة عالمياً.. وإني أضيف إلى هذا التساؤل مثيله: هل جامعة البترول والمعادن بدعاً من بقية جامعاتنا المحبطة، وإذا كان ذلك كذلك، فلتصبح جميع جامعاتنا بدعاً، لأنه أنموذج راقٍ وتفوق وتميز، لا قبل له في جامعاتنا التقليدية، التي انقضى زمنها منذ عقود.. ويقول الأستاذ خالد: (عندما أشاهد آلاف المتقدمين من طلاب الثانوية العامة أو طلاب الدراسات العليا، لا يجدون فرصاً لاستكمال دراساتهم في ظل هذه الإمكانات، أدرك أن هناك أزمة فكر وأزمة إدارة، تقذف بآلاف الطلاب والطالبات، إلى الأردن والإمارات والسودان لاستكمال دراساتهم الجامعية والعليا، بحثاً عن فرص تعليمية متاحة أو متميزة). وأضاف: (إن رتابة العملية الأكاديمية الجامعية، التي باتت أشبه بالتدريس في المدارس الثانوية، بعيد عن الأجواء الجامعية التي تقوم على الابتكار والبحث والتجديد).. وإني أؤكد أن وزير التعليم العالي قال في يوم غير بعيد إن مواد تعلم في الجامعات هي نفسها التي تعلم في المرحلة الثانوية.. ووصل الكاتب إلى أن حال جامعاتنا اليوم تعانى من التكلس، وأنها في تراجع وتخلف بكل الأبعاد.
* وفي سوق عكاظ، نقرأ في العدد الصادر بتاريخ الخميس 23-7- 1427هـ مقالاً عنوانه: (جامعيون بدرجة قراءة وكتابة)، للكاتب عبدالله بن خميس العمري، بدأه بقوله: (طوابير طويلة من الخريجين الذين تدفع بهم الجامعات سنوياً في مختلف التخصصات العلمية والنظرية، وسعيد الحظ فيهم من يتحصل على وظيفة أياً كان وضعها، وكأن التعليم العالي لدينا ليس له أية مهمة سوى استكمال تعليم القراءة والكتابة وامتداد للتعليم العام دون تغيير يذكر، ومن ثم حصول الخريج على فرصة عمل، ولها تجد الاتجاه للدراسة في تخصصات بعينها لم تعد لها حاجة في سوق العمل، بعد أن غصت الجامعات بطلابها في ظل خطط أكل الدهر عليها وشرب.. والتعليم العالي بحاجة إلى إعادة بلورة لوائحها بما يتطلبه العصر.. ونحن نرى العالم في سباق محموم مع الزمن والاختراعات تكاد تسجل بالثانية، ونبقى في موقع المتلقي دون توظيف عقول أبناء الوطن الذين أثبتوا جدارتهم في كبرى الجامعات العالمية عندما أتيحت لهم الفرصة وتوفرت أمامهم سبل الإبداع والاختراع، بل تفوقوا على كثير من أبناء البلدان التي ابتعثوا إليها، وعادوا وهم يحملون قدراً كبيراً من العلم والمعرفة.
* وهذا صحيح، لقد كتبت وكتب غيري، نطالب بالتقليص في الكليات النظرية، والتركيز على كليات التقانة والطب وما إليها.. ولكن الواقع الذي نعيشه هو زيادة الركام.. وأخذنا نرى الطلاب والطالبات المتفوقين، تغلق في وجوههم أبواب الكليات التي يريدون ويريدها سوق العمل، وتعرض الجامعات على هؤلاء الطامحين الحد ما دون الأدنى في كليات ميتة، فإذا رفضوا فإن الباب يفوت جمل - كما يقال- والمحزن أننا في تعليمنا بعامة، لا نعيش يومنا ولا غدنا، ولا نعي بالمتغيرات الحياتية وسباق الأمم في التطور والارتقاء، كأنه يحلو لنا أن نعيش في معزل عن العالم الذي نعيش فيه، وكأننا بدع منه! ونقرأ وما أكثر ما نقرأ، لكن دون أن نتلفت ذات اليمين وذات الشمال، على حين أننا محتاجون أن نعنى بالمعلم في عصر المعلومات، وكذلك تطوير مناهج الدراسة لتماشي الزمن والحياة، إذا أردنا أن نساير كل المتغيرات الحياتية، ولن تكون كذلك، إذا وقفنا في مكاننا لا نريم.
* ونقرأ في جريدة - اليوم -، بالعدد الصادر بتاريخ يوم الأحد 26- 7-1427هـ، حديثاً أداره أحمد غلاب -، مع الدكتور محمد آل زلفة، نقرأ في رده على سؤال المحرر حول التعليم، وكذلك عدم وجود فرص عمل للخريجين في الجامعات.. ويرد الدكتور بقوله: (في التعليم بالذات تمشى أعمالنا بالبركة وبالستر، دون أن نلتزم بخطة معينة أو وضع إستراتيجية هادفة لتحقيق هدف واضح المعالم، وحتى الخطط الخمسية والعشرية التي نسمعها لا تجدي معنا نفعاً، أو نحن لا نجدي معها نفعاً.. والمواصلة بالسير في هذا الطريق حتماً سيجلب لنا عواقب غير محمودة ستضر التعليم السعودي بشكل أجمع. ومن أكبر الأخطاء التي وقعنا فيها هو فتح الباب على مصراعيه فجأة لمغادرة مئات الطلاب إلى الدول الغربية من دون ثقافة وتعليم يكفي لمعرفة نظام البلد الآخر، وهذه المسؤولية تتحملها وزارة التعليم العالي).
* وبعد: لا أدري، إلى متى يظل الكتاب ينادون بإصلاح مسيرة التعليم سنين طوالاً، ولكن لا استجابة مجدية لهذه النداءات المتتالية والمتجددة المعلقة عقوداً دون جدوى.. على أن عقبى هذا الصمت المطبق باق، وأن التصريحات الخافتة التي لا تكاد تبين من المسؤولين عن التعليم بين عام وعام، لم تزد عن كونها حبراً على ورق، أو كلمات تذهب مع الرياح.. وأردد: من يتحمل تبعة هذا الجمود والأسى والتردي والتفريط، الذي بكل تأكيد عواقبه وخيمة!؟
|