كما أن للقرآن الكريم مكانته العظيمة ومنزلته الرفيعة، فإن لأهله وخاصته وحملته مكانة عالية، ومنزلة رفيعة عند الله سبحانه وتعالى وعند خلقه، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(52) سورة الشورى. وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ( 29 - 30 ) سورة فاطر.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله من الناس أهلون، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها.
وهذا الفضل من المولى عز وجل ثم ما يحصل عليه حامل القرآن الكريم من التقدير، وأول ذلك تقديمه في إمامة الناس في صلاتهم، فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤمُّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً.. الحديث، رواه مسلم. وعن عمرو بن سلمة الجرمي، رضي الله عنه قال: لما قدم وفد قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، من يصلي لنا أو بنا؟ فقال: أكثركم جمعاً أو أخذاً للقرآن. رواه أبو داود.
والتقدير والإكرام لحامل القرآن الكريم وقارئه بعد موته موصول له ولا يقف عند تكريمه في حياته، وهذا من بركة القرآن الكريم على أهله، كما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله: رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بن الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد. رواه البخاري.
والأجر الجزيل في الآخرة أكبر وأكبر من أجور الدنيا وحوافزها، فمنزلة قارئ القرآن الكريم مع الملائكة السفرة الكرام البررة، إن كان من الماهرين بقراءته، وحسبكم بها من منزلة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران. متفق عليه.
فما أعظمها من منزلة، وما أجله من قدر وفضل. والصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح عرفوا منزلة أهل القرآن وفضلهم فأنزلوهم منزلتهم، وقد كان عمر رضي الله عنه يقرب أهل القرآن الكريم ويكرمهم ويأخذ بمشورتهم ورأيهم، يقول ابن عباس، رضي الله عنه: كان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شباناً، (رواه البخاري) وعن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي، فقال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم عليه الصلاة والسلام قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين، وروي عنه أنه قال: ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن.
ومما جاء في سير التابعين من إكرام حملة القرآن الكريم، وتقديرهم وتشجيعهم، ومكافأتهم على ذلك ما جاء في سيرة أبي عبد الله عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي الإمام العابد: فقد كانت له جارية أدبها فأحسن تأديبها وأقرأها القرآن، فكانت تقرأ القرآن بصوت حزين، فقال لها يوماً: لقد أعطيت فيك ألف دينار، اذهبي فلا يملكك أحد، فأنت حرة لوجه الله.
وكان من شروط علماء السلف في طلب العلم تعلم القرآن الكريم وحفظه، يقول الإمام النووي: كان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا من حفظ القرآن.
وهذه المسابقة التي نحتفل بتدشينها اليوم هي صورة لنهج قادة هذا البلد المبارك وولاة أمرها، متلمسين نهج السلف الصالح بتقديرهم وتكريمهم لأهل القرآن الكريم، حينما تقيم هذه المسابقة وتخصص الجوائز القيمة لها وتحتفي بأهلها وتكرمهم التكريم اللائق بهم. فهنيئاً لكم يا أهل القرآن هذه المكانة والتقدير من العلي القدير والمنزلة الرفيعة بين الخلق.
|