* د. حسن أمين الشقطي:
منذ مساء الخميس الماضي اشتعلت أزمة عالمية جديدة مع انتهاء المهلة التي أعطيت لإيران لوقف برنامجها النووي، بل جاء الإعلان الرسمي الإيراني محبطا لآمال التهدئة، حيث أكد عدم قبول مطالب المجتمع الدولي بوقف عمليات تخصيب اليورانيوم. بالتحديد هذه الأزمة هي بين طرفين: الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي كطرف، وإيران كطرف آخر. ومن المتوقع أن يسعى الطرف الأول إلى استخدام ورقة الضغط الاقتصادي الذي يمكن أن يصل حد الحظر الاقتصادي أو يمكن التصعيد للأعمال العسكرية.أما الطرف الثاني، فإنه يمتلك ورقة ضغط رئيسية تتمثل في تقليص أو وقف حجم الصادرات النفطية لخلق اضطرابات داخل سوق النفط العالمي من خلال التأثير على المعروض وحجم الإمدادات ومن ثم التأثير على سعر النفط، ومن ثم تحريك شعوب الدول المستهلكة متأثرة بارتفاع سعر النفط، ومن ثم أسعار كافة المنتجات الرئيسية للضغط على حكوماتها لتخفيف الضغوط على إيران. ولعل كل طرف يمتلك ورقة ضغط ليست ضعيفة، بل ولسوء الحظ أن تأثيرها في الغالب ينصب مباشرة على الطرف الآخر أكثر من أية أطراف دولية أخرى. لذلك، يثار التساؤل من هو الطرف القادر على التحمل والتماسك ؟ إنها ولفترة طويلة نسبيا من الزمن قد تكون حرباً اقتصادية أكثر منها حرباً سياسية أو عسكرية.
ماذا تمتلك إيران نفطيا؟؟
تمتلك إيران ثروة نفطية لا يستهان بها، حيث يمكن استكشاف ما يلي:
1- أن إيران تعتبر ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط داخل أوبك، حيث تستحوذ على حوالي 13% من إجمالي إنتاج أوبك، وذلك كما يتضح من الجدول (1).
الوضع الحالي لميزان النفط العالمي
يوضح الجدول (4) ميزان النفط العالمي، حيث يستعرض التوازن بين العرض والطلب العالمي على النفط. ومنه يتضح أن عجزا شبه مستديم يواجه هذا الميزان نتيجة الزيادة المستمرة والمتواصلة في الطلب العالمي على النفط، وبخاصة من جانب الصين والولايات المتحدة، والدول الصاعدة في شرق آسيا. فعلى الرغم من الزيادة الملموسة الحادثة في إنتاج أوبك منذ عام 2000، إلا إن حجم العجز يكاد يكون متزايداً منذ ذلك التاريخ نتيجة كون الزيادة في الطلب أعلى من الزيادة في العرض.
ما هي السيناريوهات البديل ة لتطور الأزمة الإيرانية؟
بات واضحا أن هناك توجهات سياسية لفرض عقوبات على إيران، هذه العقوبات قد تتخذ أشكالا تزايدية من حيث الحدة والمضمون، فقد تبدأ بحظر سفر الإيرانيين الرسميين وغيرهم، ثم تضييق الخناق على الصادرات والواردات الإيرانية غير النفطية، ثم الحظر الاقتصادي الشامل. إلا أن إيران نفسها قد تتعمد الضغط على المجتمع الدولي بشكل موازٍ من خلال الإيقاف التلقائي لجزء من إمداداتها من النفط لإثارة بلبلة في سوق النفط العالمي، ومع تزايد الضغوط الدولية عليها قد تعمد إلى إيقاف إمداداتها كلية. ونسعى هنا لاختبار مدى تأثير كل من الانقطاع النصفي والكلي للإمدادات النفطية الإيرانية على ميزان النفط العالمي، وذلك كما يتضح من الجدول (5).
أحداث متزامنة تعزز حالة التشاؤم في سوق النفط العالمي
لسوء الحظ أنه يوجد هناك العديد من الأحداث والمجريات السياسية والاقتصادية التي تصب مباشرة في مصلحة زيادة الضغوط على المجتمع الدولي لعدم تصعيد الأزمة مع إيران، بل ربما تقود هذه المجريات إلى تفكير الأطراف الدولية المتصارعة مع إيران مرات ومرات قبل أن تقر أية عقوبات قد تعاني هي نفسها منها كثيرا قبل أن تعاني إيران. من أبرزها ما يلي :
1- أن كافة الدول المنتجة الرئيسية للنفط ليس لديها طاقات فائضة يمكن أن تعوض أي نقصان نتيجة تقليص إيران لإنتاجها النفطي إذا صعدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي من أزمتها لحد الحظر الاقتصادي أو ما شابهه.
2- أن دولا عديدة في الأوبك تشهد خلال هذه الفترة عدم استقرار سواء داخليا مثل العراق ونيجيريا، أو تحركات مغايرة للولايات المتحدة مثل فنزويلا وسوريا، الأمر الذي يمكن معه تصور غياب الأدوار المنتجة لهؤلاء المنتجين في أي لحظة مما يضاعف من تأثير تقليص حصة إيران في أي لحظة. بل أن بعض التقارب في الرؤى السياسية الذي حدث مؤخرا بين إيران وسوريا وفنزويلا يمكن أن يعزز افتراض قيام جبهة نفطية موحدة يمكن أن تهز سوق النفط العالمي.
3- بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن مساعيه لعدم الاعتماد على نفط الشرق الأوسط تقلصت الجهود الاستثمارية بشكل ملحوظ ليس في دول مجلس التعاون الخليجي فحسب، ولكن في كافة الدول المنتجة على وجه سواء التي رأت روحا تشاؤمية من المستهلك الرئيسي في العالم، حتى إن كثير من الدول الرئيسية المنتجة للنفط قد أعادت صياغة كثير من خططها الاستثمارية لتنويع مصادرها الإنتاجية خوفا من انقطاع الطلب على منتجاتها النفطية في أي لحظة، بل ظهرت دعوات كثيرة في هذه الدول للتنويع الاقتصادي.
4- نمو الطلب العالمي على النفط، وبخاصة من جانب قوى الاستهلاك الرئيسية، وهي الولايات المتحدة والصين. وبالتالي فإن أوبك تسعى بجد منذ بداية عام 2006 للضغط على الدول الرئيسية المنتجة لرفع سقف إنتاجها.
5- بدء موسم الأعاصير في خليج المكسيك الذي يثير مخاوف عديدة من تعطل أو توقف العديد من المنشآت النفطية الأميركية كما حدث في العام السابق.
ما هي الآثار المحتملة على الأسعار العالمية للنفط ؟
إن مصطلح سوق النفط يعني في حقيقته السعر العالمي للنفط، لأن كافة العوامل والمتغيرات داخل السوق ما هي إلا ترجمة للعنصر الرئيسي وهو السعر. وسعر النفط لا يهم تجار النفط منتجين ومستهلكين فقط، ولكن في حقيقته يهم كل إنسان يعيش على سطح الأرض، لأنه في الواقع يتدخل في تحديد سعر كافة السلع والخدمات الأخرى، تحت اعتبار أنه يدير المصنع ويحرك الماكينة ويسير الباخرة، فهو ليس وقود المركبات ولكن وقود الحياة في عصر غلبت عليه الآلة.
إن الأزمة الإيرانية في حقيقتها لا تثير مخاوف انقطاع الإمدادات النفطية من إيران فقط، ولكن يثير مخاوف أخرى تتسع لتشمل جزء كبير ورئيسي من إمدادات نفط الشرق الأوسط، وبخاصة إذا دخلت الأزمة مرحلة الأزمة العسكرية، حيث تسيطر إيران على المنفذ البحري الرئيسي للإمدادات النفطية لدول الخليج العربي.
أما عن تأثير الأزمة على السعر العالمي للنفط، فيمكن الاستشهاد بالأزمة النفطية السابقة عندما قفزت أسعار النفط إلى معدلات مرتفعة فوق مستوى ال 40 دولار مع أزمة الحظر العربي للنفط في أكتوبر 1973، وعندما قفزت إلى ما فوق 70 دولاراً مع أزمة الثورة الإسلامية في إيران. فكيف وما هي حدود التأثير على السعر العالمي مع الأزمة الجديدة المحتملة ؟؟ بعض التقارير الدولية تشير إلى احتمال صعود الأسعار العالمية إلى حوالي 250 دولاراً، في حين تؤكد تقارير أخرى إلى انتهاء عصر النفط الرخيص نهائيا جراء هذه الأزمة التي لن تؤثر فقط على إمداد بنحو 4 ملايين برميل يوميا ولكنها إلى تمتد إلى التأثير على ما يفوق 15مليون برميل يوميا جراء اختناقات النقل المتوقعة في ظل أي اشتباكات عسكرية في المنطقة.
*) محلل اقتصادي ومالي |