* د. عقيل محمد العقيل :
هل الأصول العقارية أصول رأسمالية؟ وهل تدر الأصول العقارية أموالاً على ملاكها؟ وهل تعتبر الأصول العقارية ضماناً آمناً للجهات الممولة؟ أسئلة لا تحتاج لبعض التفكير للإجابة عليها بنعم كبيرة، ولكن ما حجم القطاع العقاري بالنسبة لبقية القطاعات؟
سؤال منطقي والإجابة عنه أنه الثاني بعد قطاع النفط والغاز، وما هي القيمة التقديرية للعقارات في المملكة العربية السعودية؟ سؤال أيضاً منطقي والإجابة عنه بأنها حوالي (2.5) اثنين ونصف ترليون ريال تقريباً، حيث تشير البيانات إلى وجود 4 ملايين مسكن تشكل 70% من العقارات لا تقل تكلفتها عن 2 ترليون ريال و30% من العقارات التجارية والاستثمارية والسياحية والزراعية والصناعية لا تقل قيمتها عن نصف ترليون ريال بحال من الأحوال.
والسؤال الأهم بعد ذلك هو، هل العقار داخل النظام المالي السعودي؟ أو بصيغة أخرى هل يتمكن مالكه من تسييله بشكل جزئي أو كلي - دون بيعه - إذا أراد تمويلاً لإنشاء مشروع جديد أو تطوير مشروع قائم أو أراد التوسع في مشاريعه؟ والإجابة وللأسف الشديد لا فالعقار خارج النظام المالي، أي أن 2.5 ترليون ريال سعودي خارج النظام المالي.
لماذا الأصول العقارية خارج النظام المالي؟ لماذا تمنع البنوك من تسجيل العقار ورهنه لصالحها كضمان لمن أراد تمويلاً لتنمية أعماله؟ لماذا لا يوجد نظام لإصدار السندات المدعومة بعقود الإيجارة والاستصناع والأصول العقارية؟ لماذا تمنع القواعد المحاسبية في المملكة من إعادة تقييم الأصول العقارية سنوياً واحتساب ذلك في القوائم المالية السنوية؟ لماذا يصر النظام على احتساب الأصول العقارية بثمن الشراء مهما تعاظمت قيمتها بعد ذلك؟ مع العلم أن الكثير من الأصول العقارية التي اشترتها الشركات تضاعفت عدة مرات مما يعني أن هناك أرباحاً محققة لم تعلن وهو مما ينافي مبادئ الوضوح والشفافية والإفصاح.
الإجابة حسب اعتقادي وببساطة تعود للنظرة التقليدية للعقار باعتباره سكناً ليس إلا، أو استثماراًَ كغيره من الاستثمارات يدر أرباحاً سنوية لمالكه، إضافة للنظرة الفوقية للقائمين على النظام المالي في المملكة تجاه العقاريين باعتبار أن الماليين من حملة الشهادات العلمية الرفيعة ومن أصحاب الفكر المالي بينما العقاريون ليسوا إلا مجموعة من رجال الأعمال قادتهم الصدفة للاستثمار في هذا القطاع الآمن وأسهمت الطفرات الاقتصادية في وصولهم لما وصلوا اليه.
ودون شك أن هذه النظرة الفوقية أدت إلى جفاء بين الطرفين جعل التنافر لا التعاون سيد الموقف، وهذا الجفاء بين العقاريين والماليين تعزز بشكل كبير نتيجة ضعف البنية التشريعية والنظامية والإجرائية المتعلقة بملكية العقار ومدى تحقيقه للإيرادات المتوقعة نتيجة ضعف أنظمة التسجيل العيني ووجود القوانين الواضحة لفض النازعات والقدرة على تنفيذها في الوقت المناسب.
إضافة إلى التغييب الكامل للفكر الاستثماري العقاري الحديث الذي يتعدى مجرد الاستفادة من العقار للسكن أو الإيجار إلى فكر يحول هذه الثروة المجمدة إلى رافد تنموي يضخ المزيد من الدماء في أوردة الاقتصاد المحلي والإقليمي.
وعلى كل حال فإن المجال ليس لذكر الأسباب، فالفكر الإداري الحديث يقول فكر بالحل أكثر من تفكيرك بالمشكلة، نعم إذا أردنا أن نواكب التطور والتقدم العالمي ونلحق بركب الدول المتقدمة - ونحن أهل لذلك - قيادة وشعبا إن شاء الله، أقول علينا أن ندخل العقار في النظام المالي، علينا أن ندخل 2.5 ترليون ريال بأقصى سرعة لتلعب دورها الحقيقي كأرضية صلبة ومضمونة لنقل الرساميل من المصارف وأصحاب المدخرات إلى المستثمرين والعكس لتحقيق أهداف الجميع بتحقيق أهداف الحكومة بالمحصلة.
علينا أن نقوم بذلك بما يتناسب وتسارع الأحداث وتغير المعطيات ليكون لدينا قطاع خاص قادر على قيادة الاقتصاد السعودي كما نرجو جميعاً، وأعتقد أنه مهما تعاظمت العوائق علينا أن نعالج هذا الخلل الذي أضعف قدرات القطاع الخاص التنافسية نتيجة معاناة من شح المال اللازم لتمويله، المال الذي يعتبر عنصرا حاسما في رفع القدرات التنافسية.
وباعتقادي أن وزارة المالية هي الجهة المنوط بها إنجاز هذه المهمة، حيث يمكن أن تقوم بوضع كل متطلبات إدخال العقار في النظام المالي وتقسيم المهام المنوطة بكل جهة عامة أو خاصة أو غير ربحية ووضعها أمام مسؤولياتها في تحقيق آمن واستقرار البلاد (لا أمن ولا استقرار دون تقدم) ومتابعة تنفيذ هذه المهام من خلال تطوير مقاييس ومؤشرات توضح دور كل جهة في معالجة تلك القضية وتحويلها من نقطة ضعف معوقة إلى نقطة دعم دافعة باقتصادنا إلى الأمام.
وفي الختام أود أن أوضح أننا - وبفضل من الله - لدينا اليوم شركات عقارية ذات فكر متميز يتناسب ومعطيات العصر وعلينا تشجيعها بالدعم والمؤازرة وتهيئة البيئة المناسبة لنموها وتطورها لتنهض بدورها خير قيام، والتجارب الإقليمية ولا أقول العالمية خير دليل لنا على ذلك، فمن منا اليوم يذكر دبي ولا يذكر إعمار، فالمجال مفتوح أمامنا لنحصل على اكثر من (اعمار) في هذا البلد، فالبيئة جاهزة والمادة موجودة والتشريعات والقوانين تحتاج إلى من يعدلها لتتناسب والتحدي القادم.
|