في إحدى زياراتي لإحدى عواصم الدول العربية التقيت بسياسي عراقي أعرفه منذ وقت طويل، وطني حتى العظم كما يقول إخواننا العراقيون، وعروبي الانتماء والسلوك، لم تؤثر فيه مذهبيته، فلم أكن أعرف أنه سني أو شيعي طوال مدة معرفتي السابقة به، إلا أنه كشف لي ألمه مما آل إليه الشيعة العرب وهو منهم بعد تسلط وسيطرة الصفويين عليهم.
هذا السياسي ومن خلال تباحثنا حول مصير العراق ومستقبله قال ساخراً، وهو يقترب من الحقيقة كثيراً: لا أعرف موعداً محدداً لاستقلال العراق من الأكراد..!!
حاولت أصحح، وقلت تقصد استقلال الأكراد عن العراق..؟
ابتسم، وعقب ليؤكد أن هناك تزايداً في رغبة العراقيين في انفصال الأكراد، ولولا الخوف من التأثير السلبي على الوطن العراقي وتقسيمه إذا ما انفصل الأكراد فإن الكثير من العراقيين يودون أن ينسلخ الأكراد عن العراق وفق تفاهم وتسوية تعطي الأكراد المناطق التي يتواجدون فيها بعد حل مشكلة كركوك، الموصل وخانقين. فالأكراد الذين أقاموا دولتهم بحكم الأمر الواقع في إقليم كردستان - والكلام لا يزال للسياسي العراقي المستقل - يبتزون العراقيين جميعاً ويستغلون الخلافات بين السنة العرب والشيعة، فهم تارة يساندون المواقف السنية، وتارة أخرى يؤيدون بقوة المواقف الشيعية بل إنهم أرسلوا فرق الباشمركة تهاجم السنة في الفلوجة والرمادي وتلعفر، ومع انشغال الطائفتين الكبيرتين في العراق ولقصور لدى من يقود هاتين الطائفتين من الأحزاب الطائفية وحاجتها إلى دعم الطائفة الكردية حصل الأكراد على كل ما يريدونه والذي يؤسس على قاعدة صلبة لدولة كردية تتجاوز التراب العراقي إلى الدول المجاورة والتي يتواجد فيها الأكراد، فالأكراد فرضوا على الشيعة والسنة معاً تخصيص رئاسة الدولة لأحد الأكراد وأن يكون وزير الخارجية كردياً آخر لدولة عربية يفترض أن يكون أحد صانعي أو شارحي سياستها الخارجية عربياً باعتبار الفضاء الخارجي للعراق عربياً.
كما استطاع الأكراد أن يفرضوا الحصول على 17% من إيرادات العراق النفطية ورغم أن القادة الأكراد لم ينفوا ولم يخفوا رغبتهم في الانفصال الذي لا يؤجله سوى عدم قدرتهم على الحصول على موافقة القوى الدولية الكبرى الراعية لهم وأولها أمريكا، ورغم كل هذا فإن الأكراد يتصرفون على أنهم دولة لا علاقة لها بالعراق سوى الحصول على المكتسبات وآخر العلاقات التي ألغاها الأكراد والتي تشير إلى أنهم عراقيون إنزالهم لعلم العراق، فالعلم أي علم هو رمز للدولة ولا يهم من أوجد هذا العلم الذي هو رمز للوطن حتى يغير بتوافق جميع أبناء الوطن وبقانون.
الغريب أن قرار إلغاء العلم العراقي ومنع رفعه في إقليم كردستان بمرسوم من رئيس الإقليم مسعود برزاني جاء في الوقت الذي يعد فيه لعقد مؤتمر الوفاق الوطني العراقي في أربيل عاصمة برزاني والمحدد له بعد أقل من أسبوعين، فهل قصد برزاني إجهاض هذا المؤتمر الذي لا يمكن أن يعقد وعلم الوطن مغيب.. وهل يرضى السياسيون العراقيون الوطنيون أن يعقدوا مؤتمرهم وراية الانفصال الكردي ترفرف فوق رؤوسهم؟
هل خطوة برزاني في العمل على تخريب عقد مؤتمر الوفاق هدفها إبقاء الاحتراب الطائفي في العراق وتركه يتصاعد حتى يكون مبرراً لانفصال الأكراد؟ ..ليتحقق استقلال العراق ويتوقف ابتزازهم لعربه من شيعة وسنة..؟!
|