كثرت المقالات حول (اختبار القدرات) ذلك الاختبار المعتمد من كافة جامعاتنا وكلياتنا، بل وجامعات دول شقيقة، وتركز الطرح على النقد المستثار من معاناة شخصية في الأعم الأغلب.
إنني من خلال موقعي في التعليم الجامعي أحب أن أسطر إضافة إلى ذلك الموضوع الذي بات هاجسا لدى معظم الطلاب وأوليائهم على حد سواء.
(1) في قبولنا للطلاب في المرحلة الجامعية نعتمد ثلاثة معايير هي: معدل الثانوية العامة، واختبار القبول، واختبار القدرات. وقد يتفاجأ البعيدون عن التعليم الجامعي إذا علموا أن أصدق المعايير الثلاثة هو اختبار القدرات أي أن هناك تناسباً طردياً (موجباً) بين درجة اختبار القدرات والمعدل التراكمي للطالب في دراسته الجامعية، في حين أنك تجد أن بعض من يحصل على نسبة امتياز في الثانوية العامة لا يحسن جدول الضرب! إنه بات في حكم الظاهرة المقلقة تضخم نسب الثانوية العامة بشكل لا يعكس المستوى الفعلي للطالب مما يؤدي بالضرورة إلى إخفاق في المرحلة الجامعية أو البحث عن أساليب ملتوية لتجاوز المتطلبات الجامعية وتلك قاصمة الظهر لأن مؤداها تكدس خريجين وفاضهم خالية إلا من الشهادة (المحنطة)!!
(2) إن اختبار القدرات ليس اختبارا في الرياضيات ولا النحو كما قد يتبادر إلى الذهن بنظرة سطحية، وإنما هو طريقة لقياس مستوى التفكير، والقدرة على التحليل والفهم، ومدى الاستيعاب، وملاحظة النمطية، وملكة الاستنتاج، والكفاءة في قراءة النصوص والرسوم البيانية. إنه - باختصار - طريقة جادة للتأكد من وجود الحد الأدنى من التفكير السليم المتزن الذي يضمن بإذن الله استمرارية الطالب في دراسته الجامعية وإبداعه فيها.
(3) لم يكن اختبار القدرات بدعا من العمل، فاختبار ال SAT مثلا بشقيه (القدرات والتحصيلي) يحل شرطا أوليا لدخول معظم الجامعات الأمريكية في كافة تخصصاتها، وله أثر بالغ في انتقاء أفضل العناصر للتخصصات الملائمة. وبدلا من أن نبارك تلك الخطوة الرائدة للارتقاء بمستوى تعليمنا ومستوى تفكير طلابنا، نجد أن الطرح في معظم الأحيان يصور هذا الاختبار على أنه (عائق) (بل) كابوس يجب التخلص منه! إن ذلك المنطق الشخصي وتلك النظرة التي لا تعدو موطئ القدم يمكن أن يمتدا للمطالبة بإلغاء مادة الرياضيات مثلا لأنها تقف أحيانا في طريق تقدم أبنائنا.... ثم لا نستغرب بعدئذ أن تنسحب تلك المطالبات لتطال مناهجنا كافة. أما ما يشاع من أهداف مادية وراء إنشاء المركز فإني أختلف مع هذا الطرح لأن الذي أعلمه أن طريقة المركز العلمية وإجراءاته في كتابة الأسئلة بدءاً من إقامة دورات لكتابة الأسئلة ثم استكتاب المختصين والتحكيم الأولي والنهائي والتصحيح والتوزيع والملاحظات وغيرها هي قضايا مكلفة للغاية وقتا ومالا، وبمقارنة سريعة مع أكثر الاختبارات العالمية شيوعا نجد أن اختبار القدرات يأتي أقل تكلفة ويصل إلى الطالب في أقرب مكان إليه حتى لا يكلفه عناء السفر.
(4) ليس سرا أن نذيع أن بلادنا حازت مركزا متأخرا جدا في تصنيف TIMSS العالمي في الرياضيات والعلوم عام 2003م، وفي تقديري أننا لم نكن في ذيل قائمة الدول العالمية إلا لعدم الشفافية والوضوح وعدم مواجهة الخلل وإصلاحه. خذ مثلا تلك الشكاوى المرة التي تصاحب كل اختبار صعب فيخيل إليك أن نسبة النجاح لن تتجاوز 50% فتتفاجأ بأن نسبة النجاح تجاوزت 90%، وتصدم بأن حل المشكلة كان بزيادة الدرجات على حساب التحصيل، ويبقى السؤال الكبير: ما مبلغ طلابنا من التحصيل العلمي؟ إن ذلك الضعف الظاهر يتضح أيضا بجلاء من خلال مشاركتنا الخارجية في مسابقات الأولمبياد العالمي في الرياضيات والعلوم وغيرها وهي مسابقات يشارك فيها قرابة 100 دولة من مختلف القارات، وفي الصيف الماضي حصل فريقنا على أقل من 2% فقط في اختبار الأولمبياد العالمي في الرياضيات في حين أن دولة مثل طاجكستان تحصل على 14% وهي دولة جديدة على ذلك النوع من الاختبارات (انظر إن شئت الاستزادة موقع ال International Mathematical Olympiad - IMO في الإنترنت). ومثل ذلك ما يقام من مسابقات وطنية وخليجية جادة للمتميزين والموهوبين من طلابنا، تجد أن الأوائل فيها لم يحصلوا على 50% من الدرجة الكبرى وقد كنت أشارك في تلك المسابقات فأجد أن كثيرا من أولئك المتميزين يخطئ في جمع الكسور أو يوزع الجمع على الضرب... فأين الخلل؟
(5) إن من العوامل المؤثرة في تصنيف الاعتماد الأكاديمي للجامعات وجود اختبارات قبول علمية مقننة نتائجها ثابتة وصادقة وهذا ما ينادي به ويحرص عليه القائمون على المركز الوطني للقياس والتقويم، وحسب علمي فإن اختبار القدرات يخضع لإجراءات علمية دقيقة وهذا في ظني ما جعل المركز يقفز قفزات كبيرة في فترة قياسية، ويكسب ثقة الجامعات هنا وفي دول الجوار، وتبقى الحاجة ملحة إلى تقويم عمل المركز والملاحظات البناءة من المختصين والمهتمين بالمستقبل العلمي لهذه البلاد المباركة.
(6) يتفق الجميع بكل تأكيد على أننا لسنا بحاجة إلى طبيب يتفاقم مصاب مرضاه أو مهندس ينهار بناؤه أو معلم لا يستفيد منه طلابه علميا ولا تربويا... إن ذلك نتاج تعليم مهترئ وتربية مهلهلة، ولذا فإن الأمر جلل ويستحق كل عناية من المسؤولين، وينبغي استحداث صمامات أمان بحيث لا يتخرج الطالب إلا وهو محصن علميا ومؤهل تربويا وفكريا، وهنا يأتي اختبار القدرات نقطة مضيئة تصب في ذلك التيار، وهو بمثابة مبضع جراح وقد قيل:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم |
|