Monday 4th September,20061111العددالأثنين 11 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
الثقافة والتربية: توأما (الصناعة التحويلية) للإنسان (الخام)!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

* أسلم بدءاً بأنني حين أخوض مع الخائضين حول الثقافة وأهلها، تعريفاً أو توصيفاً أو نقداً، فلن آتي (بما لم تأتِ به الأوائل) من المثقفين، أو أضيف جديداً إلى ما أتى به المعاصرون منهم في هذا السبيل!
**
* أقول هذا منطلقاً من القول إنه مهما قيل عن الثقافة تعريفاً وتأصيلاً، قديماً كان ذلك أو حديثاً، فلن يسلم أحد من فتنة الجدل بأيّ حال، بل أجرؤُ على القول إنه يجب أن يكون الأمر كذلك؛ لأن الثقافة نفسها في أنقى صورها وأرقى معانيها ليست بحيرة راكدة يغشاها الأسنُ، وتتوالد في أحشائها طفيلياتُ العفن، بل هي نهر عظيم يتدفّق أبداً بالفكر والرّؤى والأحلام والعبر، تتغير لوناً ورائحةً ومذاقاً، جيلاً بعد جيل، عبر الاختلاف النقي من شُبهات الهوى الذي يبني ولا يهدم.. أو يقطع الرقاب!
**
* وترتيباً على ما سبق، أقول إنه ليس بغريب أن يتباين فهم الناس للثقافة بين جيل وآخر، خاصةً بعد أن غدت تقنية المعرفة جزءاً لا يتجزأ من الحراك الثقافي في المجتمع الحديث، ولم يعد للكتاب وحده الهيمنة الكاملة على ذلك الحراك، رغم أهميته الراسخة في كل زمان ومكان، بل لقد أسهمت هذه التقنية في ترسيخ وجود الكتاب وتعزيز مكانته، مقروءاً كان أو مسموعاً، مثلما أفلحت في إثراء روافد الثقافة الأخرى، وتضييق فجوة التواصل بين الشرائح المثقفة في أغلب بقاع الأرض بلا استثناء!
**
* بعد هذه المقدمة التي لم يكن منها بدّ توطئة لحديث اليوم، أعود مجدداً من حيث بدأت محاولاً تعريف الثقافة من منظور شمولي، أجتهد به مع المجتهدين، فأقول إن الثقافة حصاد تراكمي لمنظومة معقدة من المعارف والأعراف والقيم والمواقف والآراء وآداب السلوك وأنماط التفكير والشعور، تتفاعل مجتمعةً ومتفرقةً في عقل ووجدان المرء لتشكل منه (مشروع) مثقف بوزن معين، فإما أن يخطف الأبصار إعجاباً، أو يُعْشيها عجباً!
**
* وانطلاقاً من هذه الرؤية الاجتهادية الأكثر تواضعاً، أستطرد في الحديث محاولاً، مرة أخرى، تعريف المثقف بأنه المحصلة النهائية لتفاعل العناصر الآنفة الذكر مجتمعة، وهي بمثابة (الصلصال) الذي يتشكل منه وبه المثقف!
**
* وبتعبير آخر أكثر تحديداً، أزعم بقدر كبير من اليقين أن المثقف ليس (دائرة معارف) له في كل بحر غوص، وفي كل بستان ثمر، لكنه منظومة من الأفعال والأقوال تُعرف به، ويُعرّف هو بها!
**
* كيف؟
* المثقف في تقديري المتواضع هو ذاك الذي إذا قرأ فهم.
* وإذا حدّث (آخر) أفهمه.
* وإذا حاوره ذلك (الآخر) أنصت إليه.
* وإذا اختلف معه تفهم حجته، ثم مارس الحرية المسؤولة في الردّ عليه، بلا علو ولا غلو ولا أذى!
* وهو الذي إذا استمرّ اختلافه في الرأي مع (الآخر)، لم يحمل عليه جهراً أو يحمّله وزراً، أو يُضمرْ له شراً!
**
* أختم هنا مؤكداً أن التعايش الفكري مع الآخر واحد من أهم مؤشرات النضج الثقافي في أي زمان أو مكان، غير أن الوصول إلى هذه المرحلة من النضج المؤطر بثقة لا يهزها الخُلف، ولا تهزمها أحادية الرأي، يتطلب (إصلاحات) أولية في فلسفتنا التربوية، تقوم على مبدأ الشراكة في المعرفة والرأي. فلسفة يتقاسمها البيت والمدرسة والجامعة في تناغم ينكر الخلل.
**
* لذا لا بدّ في هذا الحال أن (ندرب) ناشئتنا على الحوار، أدباً وفناً وممارسةً، وأن ننقي أذهانهم من نزعة (الفحولة) في طرح الرأي والإصرار عليه (أحادياً)، ومحاولة تغييب أو تهميش الرأي الآخر، وتحقيق ذلك لا بدّ أن يمّر عبر بوابة التربية، وهو أمر لا يتم بين عشية وضحاها، الكلّ منا يعرف ذلك، والكل منا يتمناه، ولقد قلت أكثر من مرة وأقول الآن إن الغد للتربية وليس للنفط ومشتقاته، فهي بكل مستوياتها (توأم) الثقافة، والوجه الآخر لعملتها، وهي حجر الأساس في إعادة بناء خطابنا الفكري والثقافي وتشكيله تشكيلاً حضارياً وإنسانياً نمارس من خلاله حضورنا الدائم والفاعل بين الأنام!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved