Wednesday 23rd August,200612382العددالاربعاء 29 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
حتى لا يشوه الفقر جمال طرقاتنا
د.محمد اليماني

من المظاهر التي شاعت في الآونة الأخيرة والتي تستحق الدراسة والتأمل الزيادة في أعداد بائعي الخضار والفواكه والبضائع ذات الطبيعة الموسمية المنتشرين على جوانب الطرقات وعند أبواب المساجد وبعض الدوائر الحكومية.
والحديث هنا لا ينصب على القضاء على هذه الظاهرة التي يرى البعض أنها مظهر غير حضاري يشوه جمال مدننا التي لم يعد يعكر صفو جمالها إلا هذه المشاهد الدالة على وجود خلل حقيقي بحاجة إلى علاج أعمق من العلاج التجميلي.
وينصب الحديث هنا على ضرورة دراسة أسباب هذه الظاهرة وانتشارها، ومن ثم وضع العلاج اللازم والذي لن يكون في جميع الأحوال محصوراً بملاحقة هؤلاء الباعة ومصادرة معروضاتهم أوإتلافها أوحجزهم، ومن المؤكد أنه هناك أسباباً جادة ووجيهة جعلت لدى هؤلاء أوعلى أقل تقدير لدى كثير منهم الاستعداد لمكابدة حر الصيف وبرودة الشتاء لساعات طوال من أجل الحصول على مكسب يسير، ولو سأل أحدنا بعضاً من هؤلاء عن الساعات التي يقضيها بجوار سيارته هذه الأيام لوجد أنها لا تقل عن اثنتي عشرة ساعة وأحياناً تصل إلى سبع عشرة ساعة منها أربع ساعات تقريباً في درجة حرارة تصل إلى الخمسين مئوية.
يبدأ علاج هذه الظاهرة من سؤال هؤلاء الأشخاص عن الأسباب التي تدعوهم لمزاولة هذا النشاط، والتي تتمحور في معظمها حول عدم وجود فرص العمل المناسبة وعدم وجود دخل آخر للأسرة أوعدم كفايته، هذا عدا الشكوى من عدم كفاية مخصصات الضمان الاجتماعي في حال حصول بعضهم عليها, فضلاً عن التذمر من البيروقراطية المريرة المصاحبة لإنهاء إجراءات دراسة الطلبات وإقرارها. وما يقال هنا عن معاشات الضمان الاجتماعي ينطبق تقريباً على إجراءات منح المساعدات والإعانات التي تقدمها بعض الجمعيات الخيرية.
يضاف إلى هذه الأسباب أسباب أخرى مثل وجود مشاكل أسرية وظروف معينة أدت إلى عجز عائل الأسرة عن الإنفاق على أسرته أو إلى غيابه بالكامل، الأمر الذي أجبر أحد الأبناء وغالباً الأكبر على البحث عن مصدر رزق سريع ولا يتطلب كثيراً من الخبرات أوالمؤهلات أو رأس المال.
ولعل نقطة البداية في البحث عن الأسباب والحلول هي إجراء دراسات مسحية جادة لتحديد هذه الأسباب واستطلاع آراء المستفيدين المحتملين عن الأساليب الأنسب لحل هذه المشكلة، ومن المهم عند تصميم الحلول وخاصة تلك المشتملة على تقديم الإعانات أن لا نتوقع أن تتقدم جميع الأسر والأفراد المستحقين لمكاتب الضمان الاجتماعي أوالمؤسسات الخيرية مثل ما هو واقع الحال الآن؛ إذ يمنع كثير منهم الحياء وقلة الحيلة ورقة الحال من التردد على هذه الأماكن والانتظام في طوابير طويلة، وهناك من يخجل أن يراه آخرون ذاهباً أوعائداً منها.
ولذا فإن الأنسب أن تصل خدمات الجهات المعنية إليهم لا أن يبحثوا عنها وليس في هذا شيء من الترف فهذا شيء معمول به في كثير من دول العالم، حتى أنه في بعض الدول متى احتاج الطالب ? بغض النظر عن حالته المادية ? إلى نظارة طبية تقوم الجهات المختصة بتوفيرها له وبالشكل الذي يريده.
وتقديم الإعانات ليس كل الحل، فهناك من يرغب في العمل الذي يدر عليه دخلاً يكفيه هو وأسرته وهو قادر عليه، لكن لسبب أو لآخر لم يتمكن من العثور عليه. وهناك من يرغب في إكمال دراسته وربما كان من المتفوقين، لكن ظروف الحياة أجبرته على الانقطاع، وتختلف الحلول باختلاف الأسباب والحالات.
وفي الجانب الآخر فكل عواصم العالم المتقدم ومدنه الكبرى لا يخلو كثير من شوارعها وميادينها من باعة للخضار والفواكه والزهور والصحف والمجلات والمشغولات اليدوية وغيرها، وتعامل معها المجتمع بأسلوب حضاري بعيد عن الإقصائية، وكل ما هومطلوب هو شيء بسيط من التنظيم وربما تحديد أماكن معينة للسماح لهم بالعمل وفق إمكاناتهم وقدراتهم.
ومتى تمكنا من عمل ذلك ربما أصبحنا في مصاف المدن العالمية لدى البعض.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved