Tuesday 8th August,200612367العددالثلاثاء 14 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاولــى"

لماذا تركيا ؟! لماذا تركيا ؟!
بقلم - خالد المالك

لتركيا علاقات تاريخية قديمة مع العرب، تجذرت بشكل أكثر مع قيام الدولة العثمانية التي امتد نفوذها إلى العديد من الدول العربية والإسلامية، قبل أن تشيخ وتضعف، فتفقد بذلك سيطرتها على مناطق نفوذها الواسعة في دول منطقتنا وفي أوروبا، وغيرها من الدول التي كانت تعيش في ظل الحكم العثماني آنذاك.
وما إن انحسر نفوذها بعد أن كانت تلك الدول تتلقّى تعليماتها من هذه الدولة المترامية الأطراف، حيث حدودها الواسعة وأماكن سيطرتها المتباعدة، حتى ظهرت هذه الدول واحدة بعد الأخرى منافسة لها في القوة والنفوذ، فيما انصرفت تركيا إلى ترتيب بيتها من الداخل لمعالجة أوضاعها وواقعها الجديد، لتشكِّل بذلك قوة سياسية واقتصادية وعسكرية لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها أو يستهين بها في الوقت الحاضر.
ويُسجَّل لتركيا بكثير من الاحترام، أنّها لم ترتهن إلى آثار وتداعيات فقدانها للهيمنة والسيطرة السابقة على دول كثيرة في العالم، فتلجأ إلى خلق خصومات مع دول مناطق نفوذها السابقة، وإنّما ما ميَّز أنظمتها المختلفة التي تعاقبت على حكمها، ذلك الحرص في مدِّ يد التعاون لهذه الدول، لقناعتها بأهميتها ضمن منظومة الدول التي ركبت موجة التعاون المبكِّر والمفيد معها.
ولم يكن لتركيا - كغيرها من الدول - غير خيار التعاون وتبادل المصالح والمنافع لتتجنَّب آثار العزلة التي لا تفيدها في شيء، مستفيدة من الإمكانات الكثيرة التي تتمتَّع بها، وقد وظَّفتها أحسن توظيف في تبادل تجاري واقتصادي، وتعاون سياسي وأمني مع جميع الدول، دون أن تشعر بالغربة أو الشعور بالنقص في تعاملاتها تلك.
وإذ يزور خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تركيا تلبية لدعوة رسمية، فهو يزور دولة تملك مخزوناً من الخبرات والإمكانات المتنوّعة ثقافياً واقتصادياً وسياسياً، مع كثير من التجارب الواسعة خلال فترات حكمها لإجزاء واسعة من العالم العربي والإسلامي، قبل انسلاخ هذه الدول من الجسم العثماني، حيث كان مركز القرار والنفوذ في الآستانة آنذاك.
والمملكة بحكمة قيادتها منذ قيام الدولة السعودية الثالثة ظلَّت دائماً على وفاق مع تركيا ضمن الخطوات والمبادرات الإيجابية التي تحرص عليها ومن منظور الاستفادة من دروس الماضي التي قادت البلدين إلى هذا المستوى المتميِّز في العلاقات، وفي التعاون وفي الفهم المشترك حول القضايا والمصالح التي تهم البلدين.
وتركيا بوصفها دولة إسلامية شقيقة كانت - كما نعتقد - ضمن أجنْدة الملك عبدالله بن عبدالعزيز من حيث التصنيف بين الدول فيمن ينبغي أن تكون لها الأولوية في زياراته لها منذ أن بويع ملكاً للمملكة وخادماً للحرمين الشريفين، وها هي زيارته لتركيا تأتي متفرّدة في ثاني جولة خارجية يقوم بها، ما يعني أهميتها لديه، بدليل حرصه على إعطائها هذه اللفتة الخاصة التي تعني فيما تعنيه مكانتها المتميِّزة لديه ولدى مواطني المملكة.
على أنّ هذه الزيارة لن تسجَّل - كما توافر لدينا من معلومات - ضمن الزيارات البروتوكولية، ولن تصنَّف على أنّها زيارة مجاملة من ملك لدولة إسلامية شقيقة فحسب، إذ من المتوقَّع أن يُصاحبها تفاهم واتفاق ثنائي على مجموعة من فرص التعاون بين الحكومتين من جهة، وشركات ومؤسسات القطاع الخاص في كلا البلدين من جهة أخرى، وبذلك تكون الزيارة قد أضافت شيئاً جديداً إلى التعاون التجاري والاقتصادي القائم بين دولتينا قبل هذه الزيارة المرتقبة لخادم الحرمين الشريفين.
ومن المهم أن ينظر إلى الزيارة من حيث أهميتها، كونها تتم في زمن تواجه منطقتنا أوضاعاً غير مستقرة سواءً في العراق أو فلسطين أو لبنان، مما يهدِّد أمن وسلام جميع دول المنطقة بزيادة رقعة هذه الأعمال العدائية، وتركيا معنيَّة كما هي المملكة، في بذل كلِّ الجهود الممكنة لمعالجة هذه الأوضاع المتأزِّمة، وبالمساعدة بالمجهود الدبلوماسي الممكن لوضع حدٍّ للعدوان الإسرائيلي على شعبي فلسطين ولبنان، وكذلك في إحلال الاستقرار والهدوء في ربوع العراق الشقيق، الذي يواجه هو الآخر حرباً أهلية من نوع آخر، وقتالاً على الهويّة بين المواطنين.
ومن المؤكَّد أنّ الملك عبدالله سيبحث في زيارته لتركيا كلَّ هذه المواضيع وغيرها مع القيادات التركية للخروج بتصوُّر مشترك يُفضي إلى اتفاق على حلول معقولة، وعلى آلية مناسبة وقادرة على التطبيق، وقبول الدول المعنيَّة بها، وبخاصة حين تتبنَّى مثل هذه الخطط أو المقترحات والحلول دولتان في حجم وأهمية المملكة وتركيا.
إنّ الآمال العربية والإسلامية المعلَّقة على زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتركيا لا تكسب أهميتها من الظرف التاريخي الذي تتم فيه الزيارة فقط، ولكنها آمال تتجسَّد بأبعادها في الشق الخاص بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وبأهميتها بالنسبة للشق الذي يتجاوز التعاون الثنائي في المجال الاقتصادي والتجاري، إلى التعاون أيضاً في إيجاد مخرج لدولنا وشعوبنا من هذا النفق المظلم، ومن حالة الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والأخير لا يقل أهمية عن ذلك التعاون الثنائي بالجانب الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
ويبقى باب الأمل غير موصد - إن شاء الله - ما وجدت زعامات مخلصة ووفية لشعوبها ولدولها، وقادرة على امتلاك زمام المبادرة في الوقت المناسب، بمعنى أنّ مفتاح مثل هذا الأمل إنّما هو أمانة في أيدي مَن هو بمثل حماس وحرص وإخلاص زعيم كبير ومهم كعبدالله بن عبدالعزيز الذي تُعَلَّق عليه الكثير من الآمال في إنقاذ الأُمّة من محنتها ومن تسلُّط الأعداء عليها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved