حرب المجازر

في الأفق أكثر من مجزرة إسرائيلية ما دامت تغيب عن هذا الأفق أية بوادر للحل مع تقاعس واضح من قبل الدول الكبرى للقيام بفعل قوي باتجاه التسوية ومع استمرار الضوء الأخضر لإسرائيل للوصول بمذابحها الحالية إلى منتهاها..
ولم تكن قانا هي أم المذابح في الحرب الحالية، لكن الظروف هيأت لها أن تكون كذلك، فهناك تحت أنقاض الجنوب والبقاع وصور والضاحية الجنوبية أهوال وأهوال، وكانت مجزرة القاع يوم الجمعة أكثر من مفجعة، غير أن المفجع أكثر أن فظائع أخرى عديدة لا زالت حتى الآن طي الكتمان، ففي بلد متقطع الأوصال تم فيه تدمير معالم ومنشآت بنيته الأساسية يتوقع أن يكون معظم ما يحدث فيه من باب المجهول..
لقد أرادت إسرائيل أن تنقل لبنان إلى الوراء قروناً عديدة، وهي تتمنى أن تفعل ذلك بكل دول المنطقة، ومع ذلك فإنهم في واشنطن يرون من الضروري إفساح المزيد من الوقت أمامها ما دامت الأجندة متقاربة، ومن ثَمَّ فلا بأس أن تتولى إسرائيل هذه الجوانب (القذرة) من العمل؛ فهو يتفق مع طبيعتها كما أنها تبرع فيه ولها سجل حافل يؤكد ذلك.
وإذا كانت إسرائيل ترمي من خلال هذا التواتر في المذابح إلى أن تخلق قناعة وسط اللبنانيين بأنها قادرة على فعل ذلك في أي وقت تشاء إلى الدرجة التي تزرع اليأس في نفوسهم فإنها حتما تخطئ، فهاهو جيشها الجرار يحاول منذ ما يقارب الشهر التقدم بضعة كيلومترات في جنوب لبنان لكنه يفشل، بل ويتكبد المزيد من الخسائر يوماً بعد الآخر..
ومع ذلك فالجيش الإسرائيلي يستطيع أن يتقدم، لكنه سيعايش وجوداً قلقاً في الجنوب اللبناني، وهو قد مرَّ بالتجربة من قبل وخرج في نهايتها مدحوراً أمام ضربات المقاومة..
ولا يعرف المدى الذي ينبغي أن تبلغه هذه الحرب حتى تتحرك الدول الكبرى بجدية لوقفها، لكن من الواضح أن القراءة الصحيحة من قِبل إسرائيل وحلفائها للأوضاع في المنطقة ينبغي أن تقنعهم بأن من الصعب كسر إرادة المقاومة، فإسرائيل تعرف ذلك من خلال تجارب لا تزال حية في لبنان وفي فلسطين على السواء، وأكثر ما تفعله وهي تواصل حربها الحالية بكل ما فيها من مجازر أنها تحفز الآخرين على الانضمام إلى المقاومة من خلال هذه التراكمات من الغضب المتعاظم على أفعالها الوحشية واللاإنسانية.