قبل أن يغيِّبه الموت، كان الشاعر الكويتي الرائع محمد الفايز وهو يتأمّل الساحل المعطاء يرنو إلى الساحل المقابل في (عبادان)، وقال لي هل تذكر حكاية صاحبنا البدوي النجدي الذي جاء من صحراوات الجزيرة، وأقام على هذا الساحل، ثم أشعل ناره التي لا يريدها أن تنطفئ نكاية بذلك الفارسي الذي يتحدَّاه على الساحل الآخر، وكانت آنذاك نيران النَّفط الإيراني في عبادان .. قال محمد الفايز ذلك، وقال لماذا يعتبروننا - أنا وأنت - غرباء في الكويت؟!
ثم أطلق عقيرته باتجاه البحر مغنِّياً للكويت:
شطآن رملك واحة معطار
وأجاج بحرك سكر وبُهار
يا موطن الهولو الذي غنت له
من أمس أمس سواحل وبحار
يا ساحل الفيروز حيث سفينة
ملء البحار كأنّها الأقمار
* * *
آنذاك:
ضممته ملء صدري، وأغرقني بالدَّمع، وكانت المدينة خلفنا (تتناوس) بأضوائها الباهتة. ثم تذكَّرت قراصنة مرُّوا في البال في هذه المدائن التي تنكر أبناءها في الزمان الفظيع.
* * *
تذكَّرت (رحمة الجلاهمة)
وفي ذاك العصر
كانت تبحر فيه (الغطروشة)
لأية جهةٍ في البحر
يلبس وزرته البنجابية
يجلس فوق الدّكة عصراً
يُشعل نارجيلته
يتأمل بعض قضايا الفكر
وكان الأولاد السبعة مشغولين
بتنظيف المركب
وقبل صلاة المغرب
يتلو من آيات الذكر
* * *
حاصره الأسطول (العصملي)
قاوم حتى الرمق الآخر
ألقى نارجيلته
في خزان النفط
ف(شبّ) البحر واشتعل البحر
* * *
التفت إلى (أبو وائل) العظيم بنظارته الشاسعة وألقاها إلى البحر وقال:
يا أيها البدوي يا وجه الصحاري المجدبات
أقداركم مكتوبة فوق المياه
في أرض نجدٍ والغداب هو الغداب
في كل أرض في الشمال وفي الجنوب
وغداً سأنسى كما نسيت وفي الرمال
أثر القوافل سوف تمحوه الرياح
|