ضيف ثقيل يحل بلا إذن أو دعوة منا - مجهول حتى وإن أذن لنفسه أن يستضيف نفوسنا، وهو ساكن بالقرب من الذات يؤذي أمنها، ويروع آمالها، وأن يحل مجهول كهذا تمتنع الإحاطة به أو الأسباب من ورائه نحس بوجوده من خلال النتائج - ألم ومعاناة - وتضيق بنا الدنيا، ويختل كل قوي فينا ما بين الحيرة والإحباط، وهكذا حال الضيف الثقيل، اقتحام مفاجئ؛ يستبد بنا فنئن بإحساس مرهق بأثر من شدة الخوف دون أسباب بينة - ومن طبيعة الخوف المتواري الأسباب، أن يتعذر على سلطان العقل التأثير عليه، كما أن الحوار مع الذات يتعثر، إنه داعي ألم يفرض حالة من الاستسلام لدواعيه وأثره.
وأمر فرض نفسه على عجزنا في مقاومته فلابد أن نلجأ إلى أحد من العارفين بالنفس طلبا لمخرج، وهذا توجه سليم متى تعذر على سلطان العقل أو التحليل والحوار مع النفس أن يأتي بالفرج.
ومحاولة التصدي لمثل هذه الحالة بجهد شخصي مستحب، ولكن له محاذير قد تتمثل في وعورة الطريق وصعوبة سبر الأغوار دون وسيلة من علم أو قدرة - مناقشة مثل هذه الحالة مع خبرة رجل متمكن وصاحب اختصاص لابد وأن يأتي بالعون - والحد الأدنى من هذا أن يفتح لنا بابا أساسه العلم يمكننا من إجادة الحوار مع النفس حين يحل بها ما يعكر صفاء العقل - ويتعكر صفاؤها - وبتكرار تجارب الإنسان، ومزيد من خبرة في هذا المجال تتطور قدرة وتأثير الحديث مع النفس وأوجاعها.
ومن خلال محاولة التعرف على بعض من أسباب مثل هذه الحالة ربما أن تراكم كثير من التوافه وترسبها في النفس بأثر من رد فعل خاطئ أو متسرع مسببا للحالة بمفاجآت ما احتوت.
ومن يقرأ أسباب الأمن النفسي بإشراقته على وجوه البعض منا ويتفكر ويرصد طلبا لمزيد من المعرفة فلابد أن يسلم أن مصدر ما يراه حالة من التصالح مع النفس، وفي الطليعة من هذا التشبع الروحي الذي أساسه إيمان يفهم ويستوعب أثر ما يفهم.
وبعمق الإحساس بنفحات الإيمان المبنية على التسليم بما هو محجوب، والإسهاب غير المحدود تأملا ومعايشة بما أذن به الحق عز وجل من معلوم والتعامل بوسطية واعتدال مع ما يتكشف من معالم على الطريق يؤدي حيث الفطرة إلى حالة من تشبع النفس بروحانيات إيمانية لها في المكان والتأثير من حيز النفس الصدارة متبوع بالممارسة التي في استمرارها ضمان لمكاسب تهز كيان ما يزعج النفس والحياة من كل طارئ يوجع النفس، ولعل التعايش بأسباب الفطرة أيسر أقدار الخالق وأوسعها بابا مدخله عون لنا مع رحلة المسير والمصير، والإحاطة التي تلد قناعة راسخة بأن الكون وكل ما خلق الله، لا حركة أو سكون في المسير والمصير، إلا بقوانين وسنن من خلقه، ولا معنى يفسر الأشياء بعكس ما تقبل به، فلا صدفة ولا عبثية في طبيعة الإنسان وكل ما خلق من أجله أو جملة الأسباب التي تحفظ كون الله العظيم كما يشاء ويريد عز جلاله.
ومن سعة الأفق أن نصل إلى محصلة، وتتميز المحصلة حينا تقترب أو تطابق حقيقة أراد بها خالق شؤون ما خلق، ومهما كان شأن الإنسان في حالات خوفه أو أمنه بمعطيات المادة أو بروح الحضارة فإن شاء أو استبد به الظلم لنفسه فإنه خاضع لسنن الخالق ونواميسه، وهذا أمر حتمي لا مجال معه لقبول أو رفض.
ومثال ذلك: هل يؤكد أحد منا باليقين أن مصيره في أمان حينما تخترق طلقة من مدفع وتمزق جسده!!، أليس هذا بقانون يتداخل معه قانونان! الأول خاص بالطلقة ومفعولها على الجسد، والآخر يحدد الحتمية في حقيقة الجسد ومدى تأثره بالطلقة.
ومن هذا المثال يتبين أن هذا القانون الذي مكمنه طبيعة الأشياء ولا علاقة له بإيمان أو كفر، كما أن من أحس بالجوع أو العطش فلا الماء سيسد جوعه ولا المأكل يروي عطشه، إنها سنن ثابتة، التأمل والتسليم بها ينسجم وطبيعة الأشياء وما يلقى العقل بشيء من وعيه.
ولعل الإنسان منا حينما يتجه بعقله وتنشغل نفسه بأسرار السماء أن هذا كله سيؤدي إلى تواري نبضات الألم أو أن تقل حدتها على الأقل.
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا |
المتنبي
|