الصديق محمد سليمان الأحمد أحد طلبة قسم الإعلام بكلية الآداب بجامعة الرياض ويعتبر من الطلبة المجدِّين المثابرين، وقد أبدى استعداده مشكوراً في التعاون مع صفحة الشباب من خلال لقاءات صحفية يجريها مع بعض رجال الفكر وأساتذة الجامعات ورواد المعرفة في بلادنا، وهو في هذه اللقاءات لا يتبع الأسلوب التقليدي في السؤال والجواب، وإنما يعتمد على شكل صحفي جذاب تتوفر فيه عناصر التشويق والمتعة الصحفية. والصفحة إذ تشكر له هذه البادرة الحسنة من التعاون الصادق تفتح أبوابها أيضاً لزملائه الآخرين في القسم لتكون الصفحة منبراً يساهم في حل مشكلاتهم ويعبر عن خواطرهم وأفكارهم. عزيزي الشاب: يطيب لي أن أحييك عبر صفحتك هذه، ويسعدني أن يكون هذا اللقاء كل أسبوع، وخلال لقائنا هذا سأستضيف أحد رجال التربية والتعليم في بلادنا وأحد الشباب الحاصلين على شهادة عالية نطمح جميعاً إلى الحصول عليها، وعبر لقائنا هذا سأحول معرفة بعض التجارب التي مرَّ بها ضيف هذه الزاوية لعل يكون فيها نفع ومنها موعظة، وقد حرصتُ على أن يكون ضيوفنا من ذوي الشهادات العالية والخبرات حتى نسلط الأضواء على هذه الخبرات وتلك التجارب؛ لنجعل منها هادياً ونوراً يضيء طريقنا الشاق.
وضيف هذا الأسبوع هو أحد الشباب العربي المحافظ على عروبته وإسلامه، وهو واحد من القلائل الذين آمنوا بالعلم كطريق إلى المعالي.. لقاؤنا - يا عزيزي - مع الدكتور حسن رجب، وهو مصري الجنسية حاصل على الدكتوراه في مجال الإعلام بتقدير جيد جداً، وذلك من جامعة برلين الألمانية.. يقول الدكتور إنه متزوج منذ عام 1960م، مع العلم أنه لم يبلغ الآن الأربعين من عمره، ولعله هنا يقف موقف الحياد من مؤيدي الزواج المبكر ومعارضيه.. وكان حصوله على الدكتوراه بعد زواجه بعام واحد، يقول الدكتور إنه عمل أثناء دراسته الجامعية في الحقل الصحفي.. ورداً على سؤالي حول هوايته، وهل كانت الصحافة والنشاط الصحفي، قال الدكتور: لقد حصلت على البكالوريوس في التاريخ والآثار، وكان هذا المجال بعيداً كل البعد عن الحقل الإعلامي، وكنت أمارس النشاط الصحفي كهواية، إلا أن الذي حدث هو العكس؛ فقد تحولت من دارس للآثار وهاوٍ للصحافة إلى هاوٍ للآثار ودارس للصحافة.. ومن الأعمال الصحفية المهمة التي قام بها الدكتور عمله مراسلاً لصحيفة الجمهورية القاهرية في أوروبا، كما عمل مراسلاً للتلفزيون المصري في أوروبا، وقد قام بإجراء كثير من اللقاءات مع الزعماء وقادة الفكر في أوروبا. ومن أهم المراكز التي شغلها: التدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، والتدريس في جامعة برلين الغربية في ألمانيا، كما عمل مديراً للتخطيط الإعلامي بوزارة الإرشاد في جمهورية مصر العربية، وهو الآن في إجازة من عمله رئيساً لقسم الأبحاث والتحقيقات الخارجية بصحيفة (الأخبار) القاهرية، وذلك للعمل أستاذاً للمادة الصحافية في قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الرياض. ومع أن الدكتور صحفي فهذه أول مرة يرى فيها المملكة العربية السعودية التي كثيراً ما تمنى أن يزورها، ويقول إنه أعجب كثيراً بالتطور الحضاري في بلادنا. وحول الصحافة السعودية ورأيه فيها أبدى الدكتور أسفه لعدم الإجابة عن مثل هذا التساؤل؛ حيث إنه لم يمكث في المملكة مدَّة تمكِّنه من بلورة رأيه في موضوع كهذا، إلا أنه لاحظ ملاحظة أولية هي عدم إعطاء الخبر مساحة كافية في بعض صحفنا..! ويرى الدكتور أن افتتاح قسم الإعلام في جامعة الرياض سيكون مجالاً لتنمية المواهب وإخراج جيل صحفي على أساس أكاديمي.
وحول ما يقال من أن الصحافة موهبة وممارسة وليست دراسة، قال: صحيح أن الصحافة موهبة، ولكن يجب أن تُنمَّى هذه المواهب وتصقل بالدراسة العلمية التي تعتمد على أصول علم الاتصال الجماهيري الذي تطورت نظرياته خلال فترة ما بعد الحرب وأصبحت له تقاليد لا تختلف عن أي علم آخر.. ومن غير المعقول أن يُترك العاملون في مجال الإعلام كل واجتهاده أو تخبُّطه على حساب الأجيال. ويضيف قائلاً: إن تنمية المواهب لن تكون إلا عن طريق القراءة، سواء في معهد أو على مدرج جامعة أو قراءة كتب في مجال التخصص في المنزل، فكثير من الصحفيين في العالم لم يتلقوا التعليم في معهد للصحافة، ولكنهم قرؤوا كل أو أغلب ما يتعلق بالصحافة من كتب وأبحاث.. وليست الصحافة وحدها التي تعتمد على الموهبة، فالأديب يجب أن يكون موهوباً قبل أن يكون خريج كلية الآداب، والرسام يجب أن يكون رساماً قبل تخرُّجه في مدرسة للرسم. ويقول الدكتور: إن وظيفة معهد الإعلام ليس خلق المواهب، وإنما تنميتها وتدريبها وصقلها. وعندما تساءلت عن أهمية معاهد الإعلام، وبخاصة في عالمنا العربي، أجاب قائلاً: إننا في العالم العربي لم ندرك ضرورة هذه المعاهد إلا متأخرين، وبعد أن سبقنا إليها الغرب، وأهمية هذه المعاهد تظهر في إخراج جيل إعلامي يعرف كيف يدافع عن قضايا أمته العربية والإسلامية، ويعرف كيف يشرح للشعوب الأخرى أوضاع بلاده وتطورها. وافتتاح هذا القسم في المملكة شيء مهم؛ لأنها منطلق الدعوة، ولأن عبء الدعوة إلى التضامن بين كل المسلمين في كل البقاع الإسلامية يقع على عاتقها. وبعد هذا الحديث عن حياة ضيفنا وعن الإعلام قلت لسعادته: لا بدَّ أنكم خلال سنوات دراستكم وعبر أعوام عملكم تعرضتم لبعض الصعوبات وبعض المشكلات، ماذا لو حدَّثتم الشباب عن أهم تجربة مرَّت بكم، فقال سعادته: صحيح أن الحياة سلسلة من التجارب، وقد تعرضت لبعض المشكلات التي أكسبتني صموداً وإصراراً، وأهم تجربة مررت بها هي أنني عندما سافرت إلى ألمانيا للتحضير للدكتوراه امتصَّ النشاط الصحفي كثيراً من وقتي، وبصعوبة استطعت إعداد رسالتي وتقديمها إلى اللجنة الفاحصة، وقامت اللجنة بإعطائي بعض الوقت حتى أستعد خلاله لمناقشة الرسالة.
وخلال هذه الفترة راودني بعض التردُّد في الإقدام على حضور المناقشة، وطلبت تأجيلها، بل وبدأت أفكر في التخلي عن فكرة الحصول على الدكتوراه؛ اعتقاداً مني أن النجاح لن يحالفني لضيق الوقت المخصَّص للتحضير وانشغالي بالعمل الصحفي.. كما أن بين أعضاء اللجنة الفاحصة أستاذ يهودي كنت أخشى أن يكون شديد القسوة في المناقشة وأن يتصيد لي الأخطاء، كما كان تفكيري في عدم التقدم للمناقشة نابعاً من أنني كنت قد شققت طريقي في العمل الإعلامي؛ حيث قمت خلال فترة وجودي في أوروبا بالعمل مراسلاً لبعض الصحف المصرية، وبالعمل في الإذاعة والتلفزيون الألمانيين، وحين تقدَّمت إلى أستاذي برجاء تأجيل المناقشة اكتشف بثاقب بصره أسباب تردُّدي وشدَّد عليَّ بضرورة التقدم في الموعد المحدد، وإلا فإن التأجيل سيتبعه تأجيل، وبعد (الشُّقَّة) سيزيد الرهبة من المناقشة.
ويمضي الدكتور في حديثه قائلاً: إنه بعد نصح أستاذي وتشجيع زوجتي، وزوجة الدكتور تعمل صحفية في جمهورية مصر العربية، تقدَّمت معتمداً على الله ونجحت بمرتبة الشرف الثانية على رغم وجود الأستاذ اليهودي. قلتُ للدكتور: من خلال تجربتك تلك بماذا تنصح الشباب؟ قال: إن أهم فائدة أدركتها من تجربتي تلك أن الأستاذ يحرص دائماً على مصلحة طالبه، لولا أستاذي وتشجيعه لما تقدَّمت للمناقشة، كما أنني وعيت أخطار التردُّد وعدم الإقدام. وطلبت من الدكتور تقديم بعض النصائح إلى أبنائه وإخوانه الشباب، فقال: إن أهم واجب على الشاب المسلم هو التمسك بعقيدته والحرص على طلب العلم؛ لأنه أول واجبات المؤمن. ولا أعني طلب العلم في المدارس فقط أو في المعاهد المتخصصة فقط، بل أقصد الاطلاع والقراءة الدائبة والمتفهمة في فنون الفكر والعلم التي تعتبر شرطاً من شروط حسن أداء العمل مهما كانت طبيعته، إلى جانب أنها متعة نفسية لا تعادلها متعة.
هنا لم أجد بداً من شكر دكتورنا الفاضل على تفضُّله بهذا الحديث إلى أبنائه وإخوانه شباب بلادي.
|