ما كنت أتمنى أن يأتي اليوم الذي تضطرني فيه الظروف أن أكتب عن أخي وشقيقي أحمد الأكبر سناً وقدراً ومحبة والذي كان بيننا ومعنا ملء السمع والبصر والذكر الحسن، فهذا اليوم يعني لي استحالة الإلمام بأطراف الحديث عنه.. كيف لي أن أكتب عن نور الشباب ومهجة الفؤاد وزينة الحياة ورمز النقاء والوفاء والأخوة الصادقة.. حقاً.. ما كنت أتمنى هذه اللحظة التي يتحرك فيها قلبي ليملي على قلمي رثاء صاحب الحب للجميع والمحبوب من الجميع العاف الكاف، نقي السيرة والسريرة السهل خلقاً.. إلا أن الموت حق والموت نهاية الحياة لكل كائن حي وطريق لابد من العبور إليه طال الزمن أو قصر، فالآجال بيد الله {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، ولله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار وبقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره ودعناه واحتسبناه عند الله فجر يوم الأربعاء 23- 6-1427هـ بعد مرض عضال أسأل الله القدير أن يكون ما ألم به كفارة له، فالمصاب جلل.. والفقد مؤلم ولكنها إرادة الله وقدره ولا راد لقضائه.
لقد عرفناه ينضح أخوة حانية ويفيض رحمة وإنسانية ومحبة وبراً بوالدته وبإخوته وأخواته وأهل بيته قدوة ونبراساً يضيء لنا الطريق قائماً على الرعاية والنصح والتوجيه والعطف والحنو منذ فقدنا والدنا - رحمه الله - منذ عشر سنوات مضت وقبلها كان هو ذلك النهج بل يزيد، كان قائماً على عمل الخير وللخير يعمل، فكان عوناً ومشجعاً لنا على ذلك، يتلمس حاجة غيره ليقوم بمد يد العون له أينما كان دون أن يعرف حتى باسمه أو من يكون؟!! باراً كريماً رحيماً واصلاً لوالدته قريباً منها يتفقدها وتتفقده بالسؤال إن عرض له عارض، كما هي معنا دائماً -حفظها لله- حتى في مرضه المفاجئ الأخير الذي كدرنا وكدرها كانت لا تكف عن الدعاء له والسؤال الدائم عنه حتى إنه كان -رحمه الله- يتحامل على نفسه رغم اشتداد مرضه ويأتي إليها لطمأنتها في نظرة حانية بارة حتى أثناء دخوله المستشفى أصرت إلا أن تزوره فكان لها ذلك قبل وفاته بساعات قليلة على الرغم من مرضها كان الله في عونها وألهمها الصبر والسلوان.
لقد عرفنا جانباً من سيرته العطرة من اخوانه الأخلاء الأوفياء وأصدقائه الذين أحبوه في الله ولله وهم شهداء الله في أرضه والذين كانوا رمزاً للوفاء معه قبل مرضه وأثنائه وبعد وفاته فهم (نعم) الأخوة الذين تحابوا في الله. فقد كان - رحمه الله- يتعامل مع الناس بتلقائية رائعة وبمستوى واحد من السلوك الإنساني الذي لا يتبدل مع الكبار أو الصغار، كانت مسيرته ناطقة بسيرته الطيبة والعطرة على بساطتها محفوفة برؤى خيرة تؤطرها أهداف سامية وعطاء محتسب في عمله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنعم بها من فضيلة قبل أن تكون وظيفة، ولهذا أحبه كل من عرفه أو التقى به أو عمل معه، ورأينا ذلك جلياً في عشرات المعزين والذين تركوا بصمة رضاء ودعاء وثناء على شخصه، فأي دليل على حب الله لعبده من حب الناس له، وأي برهان أدل على القبول في الأرض وتلك نعمة فضل من الله لمن اصطفى من عباده، ففي الحديث الشريف: (إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل إن الله تعالى يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).. متفق عليه.
أما شهادتي لأخي - رحمه الله - فقد كان إنساناً كريماً نبيلاً راقياً في خلقه وفي تعامله، جم التواضع، كان محباً ومحبوباً من الجميع، لا تراه إلا مبتسماً هاشاً باشاً، على وجهه سيماء الأدب والسماحة والوقار، تملكنا هذا الأخ النبيل بخلقه الجميل، وإيثاره في انكار ذاته ليسعد من حوله عاش متواصلاً مع المحتاجين والضعفاء حاملاً لهمومهم ساعياً في قضائها، وقد شهدته عياناً في بعض المواقف التي أسأل الله تعالى أن تكون في ميزان حسناته ونوراً له في قبره.
نرجو له الرحمة والمغفرة والرضا من رب العالمين. وأن يجزيه خير الجزاء وأن يتجاوز عنه ويسكنه فسيح جناته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }وأعظم الله أجرنا وأجر الوالدة وزوجته وأبنائه وأعاننا الله جميعاً ورزقنا الصبر والاحتساب.
جعل في أبنائه خيراً وأعان الله الجميع على فقدان أخ بار عرف في شبابه معنى الرجولة والشهامة والأخلاق الحميدة واتخذ ذلك سلوكاً يمارسه في يومه وغده ومازال عليها حتى توفي - رحمه الله- وما أجمل النهاية عندما يكون الناس بعد موته يذكرونه.
وأحسن الحالات حال امرئ تطيب بعد الموت أخباره |
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|