Saturday 5th August,200612364العددالسبت 11 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

دفق قلم دفق قلم
بئس ما قال عن أمريكا
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

كان يتحدَّث بلسان متثاقل لا تكاد تخرج الكلمة من فمه المملوء بملح الخضوع وحَسَكِ الهزيمة، كان لقاؤه عَبْر الشاشة قد أتى مباشرة بعد نشرة الأخبار، وما أدراكم ما نشرة الأخبار؟ كان آخر خبر في تلك النشرة التي سبقت حديث ذلك الإنسان عن الدعم الأمريكي غير المحدود لقطَّاع طريق الإنسانية في فلسطين ولبنان، حيث تحدَّثت (قردة الفيتو) عن حق دولة الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس، بعد أن قبَّلت خدَّي القرد الصهيوني (أولمرت) قبلتين أفرغتْ فيهما كلَّ معاني الاستهانة والاحتقار بدماء الأبرياء، وأشلاء المظلومين.
كان الخبر مؤلماً مؤسفاً قاسياً لا مجال للتأويل فيه، ولا مكان للأساليب السياسية التي تعوَّدنا على لفِّها ودورانها، الدولة النصرانية المتعصِّبة تدعم بلا حدود الدولة اليهودية المتعصِّبة.
كانت الصور المؤلمة للدمار الشنيع في غزة ولبنان تصاحب ذلك الخبر على تلك الشاشة، وكانت لاقطة التصوير قد نقلت صورةً لعشرات الأطفال في أحضان أمهاتهم وهم يصرخون، وأمَّهاتهن يبكين، وحينما اقتربت صورة أحد الأطفال، وملأت الشاشة عبَّرت بوضوح عن جريمة هيئة الأمم، ومجلس الخوف في لبنان الجريح المنكوب، نعم إنها جريمة تلك الهيئة الشمطاء، وذلك المجلس المنهار اللذين يعطيان الحقَّ للمجرم في ارتكاب جرمه، ويفسحان له الوقت لاستكمال عبثه وتخريبه بصورةٍ تدلُّ على تخبُّط الدول الكبرى والصغرى، وعلى جنوحٍ خطير في السياسة الدولية العمياء.
حينما اقتربت صورة ذلك الطفل اللبنانيّ جسَّدتْ أمام الناس صور المأساة كلَّها، يا له من طفلٍ أفقده العالمُ الحيرانُ أمنَه وهدوءَه وسعادتَه.
إنها صورةٌ تقول لكل دول العالم: موتوا بظلمكم، أغلقوا جمعيات حقوق الإنسان التي لا ترعى من حقوق الإنسان شيئاً، اسكتوا سكوت المهزومين خلقياً؛ فقد تعمَّدتم قتل الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان وفلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها من البلاد.
هكذا كانت الشاشة تعرض هذا الخبر بصوره المؤلمة قبل لقاء ذلك الإنسان السياسي العربي مباشرة، فماذا قال بعد هذا؟
بئس ما قال - والله - حيث قال: (أمريكا هي الأم التي ترعى أولادها في العالم كله، ونحن من أولادها، فنحن لا نطالب أمَّنا أمريكا إلاَّ بشيء من الرعاية لنا كما ترعى أولادها الآخرين، هكذا يجب أن نخاطب أمريكا، وأن نطلب منها أن تقدم لنا رعاية أكبر، وأن لا تميل إلى رعاية إسرائيل أكثر منا؛ لأن أمريكا جلبت الخير للمنطقة، وبعض الشرّ، فنحن نطالبها بأن تدفع عنا الشرّ، وهي قادرة على ذلك، وفيها من القوانين والعدل ما يجعلها مؤهَّلة لرعايتنا، وهي في ذلك مثل الأم التي قد تميل إلى بعض أولادها أكثر من بعض، فليس معنى ذلك أنها تسعى إلى ظلم أولادها، ولكنَّها تميل مع بعضهم). ما رأيكم في هذا الكلام؟
هل هذا كلام إنسان يشعر بالمسؤولية؟ هل هو كلام إنسان عاقل؟ هل هو كلام إنسان يحمل ذَرَّة من الرحمة والإشفاق على المنكوبين المظلومين المقهورين المشرَّدين أمام أعيننا جميعاً؟
ماذا بقي لدى هذا الإنسان من الإحساس بالمسؤولية؟ وماذا بقي له من الكرامة؟ وماذا بقي لديه من المصلحة لأمته؟
هذا الكلام الناعم الموجَّه إلى الظالم الغاشم يدلُّ على شخصية مهزومة ممسوخة، وعلى عقلٍ مغسولٍ تماماً، وهذه مشكلة أمتنا الكبرى، إنها مشكلة الهزيمة الداخلية الساحقة التي تجعل مسؤولاً سياسياً عربياً يقول هذا الكلام وهو يرى ويسمع ما يجري في لبنان، إنها برْمَجَةُ الهزيمة التي أشرت إليها في مقالٍ سابق؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
إشارة:


الظالمون قِصَارٌ في حقيقتهم
لكنَّهم بتغاضي أمتي طالوا

www.awfaz.com

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved