Saturday 5th August,200612364العددالسبت 11 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

يارا يارا
فرسان تل أبيب
عبدالله بن بخيت

لا يحتاج المقاتل الإسرائيلي إلى فرصة مبررة ليبدأ الحرب، فالحياة الإسرائيلية منذ تأسيس إسرائيل تقوم على فرص حربية عز نظيرها.. إذا كان نظام الترقية في الجيش الإسرائيلي يشبه بعض الجيوش التي لا تسمح للضابط بالترقية إلى رتبة عالية معينة إلا بعد خوض حرب حقيقية، فالضباط الإسرائيليون محظوظون بوجود الشعب الفلسطيني تحتهم وجنوب لبنان بين أيديهم يقيمون عليهما الحرب التي يحتاجونها. وليست حرباً فقط بل حرباً مضمونة النصر، يعود الجندي الإسرائيلي من غزة أو الضفة الغربية أو جنوب لبنان وهو بطل حقيقي؛ لأنه خاض حرباً ضروساً يستحق المنتصر فيها ميدالية الشرف تفرح حبيبته وتتقافز في الهواء: لقد عاد حبيبي سالماً من حرب شرسة. شاهدت على شاشات التلفزيون بعينيها المليئتين بالدموع الضحايا والآليات المعطوبة والأراضي المكتسحة. ربما لم تكن تعرف أن شاؤول سيعود منتصراً لأنها لا تعرف أن شاؤول ذهب ينازل جيشاً من المدنيين، فالإعلام يصيغ لها الأمر بغير ذلك، لكن لماذا يقبل الجندي الإسرائيلي النصر على الفلسطيني الأعزل أن يهجم بطائرات حربية وحوامات ودبابات ومدرعات وعشرات الآلاف من الجنود المدربين أفضل تدريب يندفع بكل بسالة لملاقاة قوة قوامها بنادق ورشاشات وصواريخ قسام وكأنه لا يملك أدنى درجات الشرف العسكري.
الحرب تاريخ طويل ومعقد صاغت قوانينها حضارات الشرق والغرب على حد سواء.. صراع بين الدمار والبناء نمت عبر التاريخ في داخلها مفاهيم معقدة حتى أضحت من التراث الأساسي عند معظم الشعوب. يمكن تحسس ذلك من القوانين الكثيرة المنظمة لها كما في معاهدة جنيف مثلاً.. في بعض الأحيان لا يفهم المرء لماذا تحرم المعاهدات الدولية استخدام بعض الأسلحة أو ضرب المدنيين، فالحرب أولاً وأخيراً تقوم على القتل، فالموت بالقنابل العنقودية لا يختلف عن الموت بالمتفجرات العادية، لماذا إذاً تسمح القوانين الضرب بالقنابل العادية وتحرم العنقودية، هذا سؤال يعود بنا إلى الماضي إلى قيام الإمبراطوريات والدول والحضارات.. فكل شيء يبقى داخل التاريخ ينمو وتنمو معه قوانينه وأخلاقه.
لماذا لا يخاف القائد الإسرائيلي على شرفه العسكري عندما يهجم على تجمعات مدنيين عزل بالطائرات وبالدبابات. يفسر بعضهم هذا بتفسيرات عنصرية أو عدائية، نسمع يومياً من يردد أن إسرائيل دولة عدوانية، دولة وحشية تفتقر إلى الرحمة إلى آخر الأوصاف غير الدقيقة وغير المنصفة.. لا يمكن أن يكون شعب بكامله حتى وإن كان مصنوعاً على هذه الدرجة من التوحش، لا بد أن هناك أسباباً أخرى وراء مثل هذا الاندفاع، لا يمكن أن نردها إلى الافتقار إلى الروح الإنسانية، فالإسرائيلي قبل كل شيء إنسان لا بد أن يشعر بالمرارة وعذاب الضمير إذا شاهد طفلاً ممزق الأشلاء أو شاهد حتى قطة مدهوسة على قارعة الطريق، فالإنسان هو الإنسان سواء كان إسرائيلياً أو منغولياً، فهذا المجند الإسرائيلي الذي يلقي بالقنابل الحارقة على حي سكني في غزة أو بيروت لو عدنا إلى حياته المدنية سنراه إنساناً مسالماً، بل ربما يكون رقيق القلب يبكي لأتفه الأسباب العاطفية، لكن في الحرب الأمور لا تفسر بالرحمة والعطف، فالجندي وسيلته للنجاح هي القتل. الحروب كلها في العالم قامت على مبررات أخلاقية لكن لا يقدم الإنسان على القتل دون أن يضمن موافقة ضميره.
اليهودي قفز في تراثه من الضعف والعزلة إلى الطائرات المقاتلة دون المرور بإرث الخيل المأساة التي يواجهها الجندي اليهودي اليوم.. هو أن كل قيم الحرب النبيلة تأسست على صهوات الجياد، بل إن إمبراطوريات عظيمة قامت وانهارت على ظهور الخيل لم يشارك في إنتاجها ولم يشارك حتى في استخدامها وتجربتها عبر التاريخ اليهودي، لم يركب الخيل في تاريخه. عاش كائناً معزولاً يعتاش من ضعفه، فقفز فجأة من ظهر الحمار الدابة المسالمة التي كان يجوب عليها أحياء الفقراء لجباية المال إلى الطائرة المقاتلة، فاليهودي كأي إنسان يمكن أن يملك القوة ويعرف كيف ينتصر بها، ولكنه لا يعرف ينتصر على من؟ وما تبعات هذا النصر؟ نشاط الحرب ينطوي على مهارتين؛ إحداهما تتلقاها في الكلية العسكرية وتعلمك كيف تقتل العدو، والثانية تتلقاها من تراث الإنسان الحربي الذي تشكل عبر التاريخ وتفرض عليك النبل لاختيار طبيعة العدو الذي تنزل به الهزيمة.. تسمى عبر التاريخ الفروسية. قيم تنظم عمل الضمير وتحتفظ به يقظاً. فالجندي عبر التاريخ لا يذهب إلى المعركة ليلحق بعدوه الهزيمة فقط، ولكن يذهب لتحقيق جائزة النصر. فكلمة فارس التي تحولت في عصرنا اليوم إلى جندي قدت في المعارك الحربية ولكنها أوسع من مجرد مقاتل صقلتها حروب التاريخ الإنسانية حتى أضحت جزءاً من بناء الحضارات ومبعث الأخلاق النبيلة؛ ولأن الإسرائيلي لم يشارك أبداً في مثل هذه المغامرات العظيمة تبقى معرفته بالحرب محصورة في القتل وتحقيق المكاسب. فالفارس الإسرائيلي يعرف أن جائزة الحرب هي النصر ولكنه لا يعرف أن للنصر جائزة اسمها الفروسية والنبل، فضميره ما زال غراً يخلط بين أنواع القتل.
فموقعة قانا إذاً لا يستطيع أن ينجزها بهذا المستوى من الكفاءة سوى فرسان تل أبيب.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved