* الرياض - محمد صديق:
التدخين لم يعد مشكلة بلد دون آخر، فلقد تغلغلت هذه المشكلة في كل المجتمعات حتى المحافظ منها، ولنسلط الضوء على الخسائر الاقتصادية التي تحدث بسببه على مستوى المملكة كان لنا هذا الحديث مع أحد الناشطين والمهتمين ببرامج مكافحة التبغ وهو الأمين العام للجمعية الخيرية لمكافحة التدخين الأستاذ سليمان بن عبد الرحمن الصبي، وكذلك مدير الجمعية الخيرية للتوعية بأضرار التدخين والمخدرات بمنطقة جدة الأستاذ محمد مرزوق الحارثي.
* حسب الأحصائيات المتوفرة لديكم كجهة ناشطة في مكافحة التبغ، بكم تقدرون الخسائر الاقتصادية الناجمة عن ممارسة التدخين بالمملكة؟ وبكم يقدر حجم الوارد منه سنوياً؟ وكذلك خلال السنوات الست الأخيرة؟
- في الواقع لا توجد إحصائيات دقيقة عن الخسائر الاقتصادية المترتبة على ممارسة أو تعاطي التدخين، ولكن هناك إحصائية تقديرية، فمثلا حجم الوارد السنوي من مواد التبغ يتراوح خلال السنوات الأخيرة ما بين 1.4 مليار و1.6 مليار ريال، وحسب آخر إحصائية رسمية صادرة عن الجمارك خلال السنة الماضية 2005م حتى 30- أبريل بلغ حجم الوارد 533 مليون ريال، وقد يصل الرقم إلى نهاية العام بنفس النسبة إلى 1.3 مليار ريال.
وبحسب الإحصائية الرسمية لواردات التبغ منذ عام 1998 - 2005م، فقد بلغت التكلفة الإجمالية أكثر من عشرة مليارات ريال، هذا إذا لم نضع في الحسبان الواردات غير الرسمية والخسائر الأخرى التي يكون فيها التدخين سببا مباشرا أو غير مباشر، كتكلفة الأمراض المزمنة التي تحدث بسبب تعاطي الدخان والحرائق وضياع أوقات العمل التي تحدث بسببه، بالإضافة إلى المبالغ التي تصرفها الجهات العاملة في مكافحة التدخين، هذه المبالغ لو جمعت ووظفت لاستفدنا منها في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية التي نحن بأشد الحاجة إليها، وبحسب تقديري قد لا تقل الخسائر غير مباشرة عن الخسائر المباشرة، ولو حسبناها خلال نفس الفترة لوجدناها لا تقل عن عشرة مليارات ريال، وبذلك نكون قد خسرنا خلال ثماني سنوات فقط ما يزيد على عشرين ملياراً، وهذا المبلغ يكفي لبناء وتجهيز 100 مستشفى، إذا افترضنا أن تكلفة المستشفى الواحد 80 مليون ريال، ويكفي لبناء 150 مدرسة إذا افترضنا تكلفة المدرسة الواحدة 30 مليون ريال، ويكفي لبناء 100 مجمع سكني إذا افترضنا أن تكلفة المجمع 75 مليون ريال، انظروا كيف نبدد أموالا في شيء محرم شرعا ونحن بحاجة لها لتنفيذ المزيد من المشاريع.
* برأيكم كيف نحافظ على ما ينفق على التدخين ليكون رصيداً ودعماً لخزانة الاقتصاد الوطني، وعلى من تقع المسؤولية في اتخاذ القرار في وضع حد لهذه الخسائر الاقتصادية؟
- أما عن كيفية المحافظة على ما ينفق في التدخين فهذه مسؤولية الجهات المناط بها ذلك، فمثلا التدخين متعارف عليه طبيا بأنه يسبب أمراضاً خطيرة وفتاكة قد يستحيل علاجها في بعض الأحيان، فأعتقد أن الدور هنا على وزارة الصحة التي يجب عليها أن تكون أحرص من غيرها على سلامة وصحة المواطن السعودي، وبالتالي محاولة التشديد في دخول أي شيء قد يلحق بالمواطن أضراراً صحية، أما من ناحية الخسائر المالية فهذه مسؤولية وزارة المالية، فما يحدث من خسائر هو هدر واضح وصريح لموارد الاقتصاد الوطني وأقرب دليل الإحصائيات التي ذكرت في الإجابة السابقة. ونتمنى نحن كجهات عاملة في مجال مكافحة التدخين أن تفرض رسوم ضريبية منوعة على التبغ حتى تؤثر على شركات التبغ ومتعاطيه، فلماذا لا يصل سعر علبة السجائر إلى 20 أو 25 ريالاً كما في الدول الأوروبية؟ فيجب التنسيق بين الوزارتين المعنيتين لمحاولة وضع قيود أشد على استيراد التبغ للمملكة لأنه يحدث خسائر مادية وصحية وأخرى نحن لسنا بحاجة إليها، كما أنني أرى أن هناك دوراً للجان الغش التجاري في الكشف عما يحدث في المقاهي التي تقدم الجراك والمعسل ولكنها لم تقم به، كما أن البلديات مناط بها دور قد تساهلت في تطبيقه البلديات الفرعية وهو الكشف عن تطبيق الاشتراطات لهذه المقاهي مع اللوائح التي صدرت من البلديات، كما أن هناك دوراً على الجهات الحكومية في تفعيل القرارات الصادرة عن المقام السامي في منع التدخين في الدوائر الحكومية، كما أننا نرجو تشغيلها وتطبيقها والالتزام بها على وجه السرعة، وتفعيل نظام مكافحة التدخين لنواكب انضمامنا للاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ، فهذا سيحدث نقلة في تعاطينا مع مشكلة التدخين خاصة أنه مرفوض شرعاً.
* تقوم الشركات المصنعة بدعم المنتج في حالة زيادة القيمة الجمركية عليه من أجل استمرارية منوال الاستهلاك على ما هو عليه، فلماذا لا تطالبون كجهات مكافحة للتدخين بزيادة نسبة الجمارك بصورة سنوية من أجل إضعاف الشركات المصنعة؟
- هناك توجهات سابقة برفع نسبة زيادة الرسوم الضريبية على واردات التبغ، وهي تجربة جيدة، ولكن مشكلتنا أن الشركات المصنعة تتكفل بهذه الزيادة حتى لا تخسر عملاءها في المنطقة، وإن زادت سعر العلبة فإن الزيادة تكون طفيفة لا تشجع المدخن على ترك التدخين، ولكن ما نتمناه والهدف من ذلك أولاً وأخيراً هو الوطن والمواطن أن تتخذ قرارات عميقة وشجاعة تبدد هذه الآفة من المجتمع السعودي خاصة أن أرض الحرمين تمثل القدوة الدينية للمجتمعات والدول الإسلامية الأخرى، كما أن توعية المواطن في صغره هو المطلب الذي قد يكون مصدراً لهذه الشركات.
* مشروع حملة (الرياض بلا تدخين) ماذا تتوقع له؟ ولماذا لم يكن مشروع (المملكة بلا تدخين)؟ وبكم تقدر تكلفة هذا المشروع؟ وماذا عن فترته الزمنية؟
- أولاً نشكر مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية على مبادراتها في هذا المشروع، ونتوقع له فاعلية قوية إذا تضافرت جهود الجهات الحكومية معه، وهذه السنة هي الأولى وتعتبر فترة تأسيس لمشاريع الحملة كالمقر النموذجي والعيادات الفرعية والمعارض الثابتة والمتنقلة وتأسيس موقع الجمعية على الشبكة العنكبوتية والتدريب للجمهور وأعضاء الجمعية العمومية والعاملين في الجمعية، وبعد ذلك سنكثف الدور الإعلامي في هذه الحملة، أما لماذا لم يكن على مستوى المملكة فلسبب واحد هو أن الجمعية ترى أن تبدأ التجربة على مدينة الرياض التي هي قدوة لغيرها من المدن، وفي المستقبل سندرس توسيع نطاق الحملة.
محمد مرزوق الحارثي مدير الجمعية الخيرية للتوعية بأضرار التدخين والمخدرات بجدة يقول: إن عدد الذين يموتون بسبب التدخين في المملكة يصل تقريباً إلى 23 ألف شخص، وإذا أردنا أن نحدد رقما لعدد الحالات المصابة بأمراض يكون سببها التدخين يجب أن تضرب الرقم السابق في عشرة، أي أن عدد المصابين قد يصل إلى 230 شخصاً ويشير الحارثي إلى أن إحصائيات الدفاع المدني تؤكد أن هناك العديد من الحرائق تحدث بسبب التدخين مما ينتج عنه أضرار بالغة، مؤكدا على أن المملكة تصرف مليارات الريالات سنويا لعلاج المرضى الذين تسبب التدخين في إلحاق أضرار صحية بالغة بهم، مشيراً إلى من يصاب بسرطان يكون سببه التدخين يحتاج إلى 100 ألف شهريا كقيمة علاج، أي أنه يحتاج خلال العام إذا أمد الله في عمره إلى مليون ومائتي ألف ريال.
واقترح الحارثي أن تتخذ قرارات سريعة وعاجلة من الجهات المعنية لإيقاف هذه الخسائر عند حدها الحالي حتى لا تتعمق الإشكاليات المترتبة على هذه الممارسة الضارة والمرفوضة شرعاً. واستغرب الحارثي قائلاً: كيف نسمح لأنفسنا باستيراد مواد بمليارات الريالات ونخسر في مكافحتها نفس المبالغ ونحتاج للعلاج منها ضعف هذه المبالغ؟ وأوصى الحارثي بضرورة دعم الجهات العاملة في مجال مكافحة التدخين من قبل وزارتي المالية والصحة، وهذا الأمر يتطلب أيضا تضافر جهود أخرى، كما يجب على جهات المكافحة التركيز على برامج الوقاية والتوعية أكثر من العلاج لأن إجراء العمل الوقائي أسهل بكثير من إجراءات العلاج خاصة إذا كان المدخن قد وصل مرحلة الإدمان الذي تكون دوافعه بالتمسك بتعاطي الدخان أكثر من الذي لم يجربه من قبل وهو الذي نسعى لوقايته وتوعيته.
|