Saturday 5th August,200612364العددالسبت 11 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

خرج.. ولم يعد! خرج.. ولم يعد!
حسين أبو السباع

قال لزوجته وأولاده وهو متجه ناحية الباب: سأعود بعد ساعة.. ومرت الساعة، ومرت ساعات طويلة كئيبة على الأسرة، ولم يعد الزوج مرة أخرى لبيته ولا لأولاده.. فقد اغتالته قذيفة إسرائيلية وهو في الطريق، وتهدم البيت على من فيه، فاستشهد الجميع..
خرج ولم يعد.. وما زال كثيرون يخرجون.. ومصيرهم مجهول.. إما العودة بإصابات بالغة أو الموت قصفاً على الطريق، والدخان الكثيف يتعالى ومصدره الجنوب اللبناني الذي أضحى خراباً منذ الثاني عشر من يوليو الجاري، وما زال مرمى لتوجيه القذائف الإسرائيلية، وما زال الرعب يجتاح الآمنين، ركض سكان الجنوب هاربين من هذا القصف الجائر، بينما رقد أطفال كثيرون تحت الركام.. عدد كبير من الذين قضوا تحت القصف، والخوف يبتلع الجميع من الإشفاق من وقوع كارثة إنسانية لما تمر به لبنان من ظرف استثنائي، هذا الصيف شديد السخونة من الأحداث الدامية التي وقعت فيه، تدمير البنى التحتية اللبنانية، تدمير المنازل، قتل الآمنين، بدعوى الحرب، الحرب النازية التي تقوم بها إسرائيل، وينعق الناعقون بأنها حرب دفاع عن النفس، وتحت غطاء أمريكي كامل، هل من أحد منا لم ير صورة الطفلة حياة خالد التي نشرت في عدد كبير من الصحف وتداولتها المواقع الإلكترونية، وكيف أصاب القذف نصف وجهها البريء، هي نموذج وليست كل الإصابات مثل إصابة حياة، فهناك ما هو أشد وأقسى من الرؤية أو التنويه عنه ولو بالكلام.
هل منا من لم ير صور الأطفال الذين لا يزال صدى أصواتهم الرقيقة يتردد في أذني وهم يتساءلون ويسألون لماذا يضربوننا بهذه القسوة؟
في فلسطين رأيت صورة لشهيدة في عمر التاسعة، وحولها أطفال صغار جالسين في لحظة وداع أخيرة للطيبة الجميلة صديقتهم الشهيدة، أطفال تتفتح عيونهم على القتل والتدمير والهرب فزعاً وخوفاً من قصف الطائرات الوحشي، وكلام غليظ في السياسة.
كثير من الآباء خرجوا ولم يعد أحد منهم حتى الآن، خرجوا لمحاولة توفير ما يأكله الصغار، لمحاولة البحث عن البديل في حال تهدم البيت على من فيه، خرج كثير من الآباء يحملون حلم العودة حين انتهاء القصف، خرجوا ولم يعودوا، الجثث تملأ الجنوب اللبناني، والشباب العربي خارج لبنان يجلس يقضي ليلة يمارس (الشات) الدردشة عبر الإنترنت، جمل قصيرة جداً ولا تحمل أي مضمون، كلها سلامات وتحيات، (الدردشة) طوال الليل، والقصف دائر في الجنوب لا يهدأ، والخوف يلف القلوب، ونحن لا نحمل أي فكرة أو عنوان للغد الذي قد نكون فيه مكان الجنوب اللبناني، كلنا ليس بعيدا، كلنا في الموقع ذاته، كلنا لا يمكن أن ينام، وصغاره جوعى، كلنا لا يمكن أن يضحك، وأطفال تموت، كلنا لا يحمل هماً الآن إلا الخلاص من هذا الكابوس، الذي ستظل صورته باقية ما بقينا على قيد الحياة، وستبقى صورة الفارين من المذابح، نورثها لمن يأتي بعدنا من أجيال لم تشهد الحرب، مثلما ورثنا تركة خاوية الوفاض إلا من الخراب والضياع والبيروقراطية والعفن الذي استشرى في الفكر العربي الآن، أعتقد أننا لابد أن نعمل ونبذل كل غال من أجل تغيير هذا الإرث الملعون، من أجل أن نستيقظ يوماً ونرى نشرة الأخبار من دون أخبار القتل والذبح والتدمير، الأدوار متبادلة، واللعبة الأمريكية الصهيونية كلنا يفهمها جيداً، ونصِرُ على إظهار العكس، والآلة العسكرية الإسرائيلية بغطاء أمريكي تعمل القتل في الأبرياء، وآلاتهم الإعلامية تقلب الحقائق، لتصور القاتل مدافعاً عن نفسه.. وكان هناك أمل أن يعود الحلم العربي بالوحدة لإجبار إسرائيل للتوقف عن عدوانها الوحشي تجاه لبنان بعدما ماتت عملية السلام كما وصفها عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، إلا أنه لم يحدث شيء من هذا، ونبقى منتظرين من خرج منذ بداية الحرب وحتى الآن لم يعد!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved