ما أن تقبل الإجازة الصيفية حتى تهل مواسم الأفراح التي تعد من أبواب الاستهلاك الزائفة، وعلى الرغم من الخطب والمواعظ في هذا الشأن إلا أن الأمر في تزايد يخشى منه سخط الله.
وفي الوقت الذي نلحظ فيه مظاهر الفقر تنتشر في بعض الأحياء السكنية إلا أن سير إسراف الأفراح مازال يجري كالسيل الهادر، ومازالت الأموال تصرف بتهور دون تفكير أو مراجعة للنفس بدعوى أنه فرح ولابد من الصرف سواء للعروسين أو المدعوين، فتنفق الأموال فيها، وتهيأ لها الاستعدادات المكثفة مع التأهب لكل التجهيزات، فالتبذير يكتنف معظم الأفراح: إسراف في صالاتها، ومغالاة في أجرتها، وتباهٍ في جودتها، وكذا التسوق المسعور، كل ذلك يسبق هذه المناسبات أو يقام أثناءها، فضلاً عن التفاخر في الملبس والمبالغة في تقديم أنواع المأكل والمشرب عدا غلاء المهور الذي أودى بكثير من الناس إلى الازدواجية في الحياة، حين تكون أسرة العروس من طبقة اقتصادية أعلى من العريس حيث يظهر التباين بينهما فتراه يجري ويجري لتغطية الفارق المادي بينهما فيقع في قبضة الدَّين أو يعرض نفسه للإعانة والرفد، وكأن أهل الفتيات يريدون الفخر والمباهاة، بينما الزوج يريد الاستقرار والسكنى والثبات وشتان بين الرغبتين!!
جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- يطلب مساعدة، فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار، قال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: (على كم تزوجتها؟) قال على أربع أواق - أي مائة وستين درهماً - فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- متعجباً: (على أربع أواق؟! كأنما ينحتون الفضة من عرض هذا الجبل ما عندنا ما نعطيك) رواه مسلم.
حدثتني صديقتي بحديث المتعجب فقالت: إن إحدى السيدات قد اشترت قماشاً أبيض بقيمة ثمانية عشر ألف ريال، وسلمته الخياط ليطرز به اسم العروسين ومن ثم يُكسى به منزل أهل العروس من الخارج، وسيسدل لعدة ساعات، وبعدها يكون مآله برميل النفايات!
وقد أفجعني هذا الأمر!! لذا أرى أن تقطّعه مناديل يمسح به العقلاء عرق الخجل من هذا البطر والترف والتبذير!! وإن ألمي يتضاعف ونحن نشاهد الفقراء يتضورون جوعاً، وأخشى أن تحل علينا عقوبة من الله بسبب إسراف بعض الناس وبطرهم في مواسم الأفراح، وبلادنا الحبيبة قبل سبعين سنة كانت تعاني من قسوة الفقر ومرارة الجوع وظلام الجهل ووطأة الأمراض!!
ولا يقف الألم عند حد الإسراف والتبذير والمغالاة والمبالغات والعادات والرتابة المتكررة التي تتوق لها نفوس الكثيرين خصوصاً السيدات بل يتعداه إلى وقوع الممارسات الخاطئة أثناء الأفراح وأخص الملابس العارية التي ترتديها العروس وقريباتها والمدعوات، وفيها يظهر بعض التهاون بالحدود الشرعية والآداب الإسلامية التي فرضها الله على المرأة المسلمة والتي ينبغي الوقوف عندها، فقد دأبت معظم السيدات والفتيات - في الأفراح وغيرها - على لبس العاري الذي يكشف عن البطن والظهر سعياً منهن لمجاراة الموضة، والحقيقة أن التعري يقضي على الحياء عند المرأة، بل هو آخر نقطة حياء تنزفها المرأة على بلاط الكرامة والطهر والعفاف!!
وكما هو معروف فإن اللباس هو الذي يحدد هوية الشخص، بل ويعد الانطباع الأول والفكرة التي يمكن أن يكونها كل شخصٍ عن الآخر، فلست أرى مبرراً لإظهار المرأة أجزاء من جسدها، حتى ولو كانت في وسطٍ نسائي، إلا شعوراً بنقص عقلي، أو فكري، أو ثقافي، تسعى به لصرف النظر عن ذلك النقص بإظهار البديل من جسدها، فأي عزة وكرامة لديها!!
أفلا علمت السيدة أن الحشمة هي الوشاح الظليل، والحياء هو الوسام الجميل، والستر هو الدليل على الاستقامة والعفة والشرف؟!!
ترى... ألم يحن الوقت لتبديل أنواع أفراحنا ومناسباتنا الاجتماعية وتغيير أصناف موائدنا وأشكال ملابسنا وألوان أفكارنا، ونحن نرى الدمار الذي حل في بلادٍ حولنا يشتهي الهاربون منها الرغيف، ويبحث المشردون فيها عن المأوى والستر فلا يجدونه؟! فهل نعتبر؟؟!!
ص.ب 260564 الرياض 11342 |