إنه من الانصاف أن نقول إن العقول العربية أسهمت في صنع الحضارة العربية الإسلامية والعالمية، والتي تصب في منظومة المعرفة المتنوعة، والتي كانت بارزة بشكل ملفت للنظر في بلاد الأندلس. وبعد ذلك ضعف وهج هذه الحضارة نتيجة للاستعمار الذي عاشته الدول العربية وترتب على ذلك كفاح مرير لمواجهة الاستعمار من قبل شعوبها، فتعطلت التنمية في الكثير من الدول العربية بسبب ذلك. وكانت الأجندة التي يستخدمها المستعمر في الدرجة الأولى الحروب، ولم تتعدد أساليب الاستعمار كما هو الحاصل الآن، وكابت الهوية الدينية حاضرة ومتماسكة مما كان لها أطيب الأثر في دحر المستعمر وتحرير الكثير من البلاد العربية. أما اليوم فالاستعمار استطاع أن يرسم أنماطاً كثيرة وأصبح تأثيرها أشد من الحروب. فمثلاً المعرفة الفكرية أصبحت شغله الشاغل من خلال الكتب والدوريات ومواقعه في الإنترنت والبرامج الإذاعية والتلفزيونية الفضائية الموجهة لأبناء العرب والمسلمين والتي تقدم أحياناً من أبناء العرب الذين تم اعدادهم وصبغهم بثقافته والتي عادة تكون عن طريق الابتعاث إليه أو من خلال الجامعات التي أقامها في بعض الدول العربية وتحمل توجهاته. وعلى الطرف الآخر نجد عقولاً عربية نهلت ودرست في بلاد الغرب المستعمر ولكن لديها حصانة فكرية جعلتها توظف الجانب الحضاري (الحكمة ضالة المؤمن) وكانت سبباً في ترسيخ الكثير من المعطيات التي تخدم الأمة، وعقول أخرى والتي ليس لديها حصانة فكرية تأثرت بالغرب إلى حد كبير مما جعل المجتمع يصنفهم بتصنيفات متنوعة مثل هذا حداثي والآخر ليبرالي ونفر علماني. طبعاً هذا التصنيف لم يأت جزافاً ولكن من خلال نظرياتهم وطروحاتهم أمام الملأ، فلهذا نستطيع أن نقول أن العقول العربية في عصر العولمة متعددة الاتجاهات والتخصصات وهي لم تستثمر بالشكل المطلوب ولاسيما العقول العلمية منها مما جعل الكثير منها يفضل البقاء في الجامعات والمؤسسات العلمية الغربية لأن المناخ العلمي ملائم ومناسب ومحفز على الإبداع حيث لا ينظرون إلى الجانب المادي فقط إنما للمعامل والإمكانيات المبهرة التي خصصت للبحث العلمي. فلهذا نستطيع أن نقول أن العقول العربية في عصر العولمة مرتبطة بالعولمة أكثر من ارتباطها بدولها نتيجة لغياب البحث العلمي. كذلك أيضاً علاقة معظم الدول العربية بعقولها تكاد تكون ضعيفة. ويفترض أن يكون التواصل مع هذه العقول على أشده من خلال دعواتهم لحضور المؤتمرات العلمية وتبنيها وفي نفس الوقت استخدامهم كأوراق ضغط على الحكومات الغربية بشأن رفع الظلم وبسط العدالة بين الشعوب. وعلى سبيل المثال ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم وتهميش في الدول الغربية.
|