لن أكسر أقلامي، ولن أمزق أوراقي البيضاء، ومستحيل أن أرمي بلوحة المفاتيح في الشارع، ولن أدس رأسي في التراب، أو أن أتخلّ عن حبي لمجتمعي ووطني، ولن ألغي مشاعري وأحاسيسي، ولن أفعل شيئاً مما ذكرت - بإذن الله - إرضاءً لبعض مرضى القلوب، أو من عندهم حب الوشاية .. لن أفعل ذلك لأنّني مقتنع بما أقول، وجازم أنّ الكتابة جزءٌ من التنمية الشاملة لبلدي، ولأيِّ بلد ومجتمع على ظهر البسيطة، لم أسب يوماً من الأيام أحداً من الناس، ولم أشمت برجل أو امرأة، ولم أسئ لمن أخالفه الرأي عبر الصحف، أو حتى على المستوى الشخصي (ولا أبرئ نفسي)، ولكنني مقتنع تماماً بأنّ الوشاة لن ينقرضوا ما دام في الناس حراك، ومتيقِّن أنّ النميمة ستبقى ما بقيت الحياة .. أنا أكتب وأعلِّق وأعارض وأبدي الرأي وأتحاور، لأنّ الكتابة جزءٌ مني، كنت أمارسها منذ الصغر، كنت أكتب مشاعري وأحاسيسي على الورق وأرمي بها للريح، لأنني في وقتها لم أكن أعرف الصحف، ولقد نشأت بين الجبال، وتعلّمت منها القوة والصلابة، وترعرعت بين الأودية والسواقي وتعلّمت منها حب الرعاية والاحترام، ورعيت الغنم وتعلّمت منها السكينة والرحمة، وأما المسطحات الخضراء والمزروعة بالدخن والذرة والتي كنت أحمي سنابلها من الطيور فتعلّمت منها الأمل وحب التفاؤل - وما زلت محتاجاً للعلم والمعرفة والنصح والمشورة إلى آخر رمق من حياتي -، لم أكن أتوقع أن هناك من الوشاة من يصوِّرون ما أكتبه على غير مقصده، ويقفزون فوق النوايا ويقوِّلونني ما لم أقله، ويذهبون بها هنا وهناك، ويقولون للبعض (فلان) يشهِّر بكم في الجرايد، بالرغم من أنني أشير في مقالاتي للأفعال دون الأشخاص وعلى مستوى الوزارات، بهدف التصحيح والنصيحة، وفي نظري أنّ هؤلاء ممن يصطادون في الماء العكر، وهم بالذات من أنصار الفساد الإداري، لأنّه البيئة الخصبة لمآربهم، وممن لهم مصالح شخصية يخافون أن تطالها الكتابة يوماً من الأيام، أو أنّ الصحف تلقي عليها الأضوء فينكشف المستور، وتحال السرقات إلى الجهات المختصة .. إنّني واثق أنّ الصحافة إذا التزمت بالمصداقية والحياد فهي من الأمور المعينة لولي الأمر، فتكشف له المتلاعبين بأمور الناس ومصالحهم، وتبرز المجتهد وتشيد به ليطلع على جهده وإنجازه، وتدخل الفرح والسرور على نفسه، عندما يرى إنجازات أبنائه ومواطنيه، وتقدم له الاقتراحات المفيدة .. إنّ الكتابة والصحافة من مقوّمات أيِّ مجتمع بشري على الأرض، ولا يعاديها وهي بالصورة التي ذكرت، إلاّ من ينكر ثقافة الحوار، ويرى أنّ ما يفعله هو الصواب دائماً، إنّني ألتزم بسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما يعرض بقوله (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) ولم يحدد شخصاً بعينه حفاظاً على مشاعرهم، وهذا ما دأبت عليه، فهل يضير رؤساء الدوائر الحكومية أو غيرهم، أن تكون صدورهم مفتوحة ونفوسهم هينة لينة للمواطنين ويقبلون منهم النصح والمشورة، مثل بعض المديرين الرائعين الذين يطلبون النصح والمشورة ممن يثقون بهم قبل أن تقدم لهم، اقتداءً بولاة أمرنا الذين فتحوا مجالسهم وأبوابهم لسماع صوت المواطن وشكواه، كما ينقل لنا التلفزيون تلك المشاهد التي تسر الخاطر كل ليلة .. وفي الختام أقدِّم نصيحتي لهؤلاء الفارغين أن يهتموا بأنفسهم، وإذا لم يكن لديهم شيء يهتمون به، أو أمر مفيد يقدمونه للوطن والمواطن، فيكفوا شرّهم وأذاهم عن الناس، فإنّ كفّ الأذى في حد ذاته صدقة، كما أحب أن أقول لهم بأنّكم لن تستطيعوا كسر الأقلام الحرّة الأبيّة، ولن تقدروا على اعتقال الألسن الصادقة الندية، ولن تحبسوا الفكرة الجميلة الحالمة إرضاءً لأحقادكم الدفينة، قال الله تعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
|