تصادفت زيارة ولي العهد سمو الأمير سلطان إلى فرنسا مع جو باريسي شديد الحرارة دون أن تتمكن زخات المطر التي كانت تهطل ليلاً من تلطيف الجو وإنعاش باريس من طقسها الصيفي الحار.
وفي مقابل ذلك، كانت باريس رئيساً وحكومة وشعباً تستقبل بحرارة من الود والتقدير ضيفها الكبير الأمير سلطان بن عبدالعزيز، معلقة آمالاً كبيرة على الملفات التي تحمل المزيد من فرص التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين البلدين الصديقين..
كان الفرنسيون يعوّلون كثيراً على هذه الزيارة، ويتطلعون إلى إتمام التوقيع بين البلدين على اتفاق وعلى إطار للتعاون، بعد أن صرح الناطق باسم قصر الإليزيه بأن الرئيس شيراك أكد للأمير سلطان بأن فرنسا ملتزمة ببنود الشراكة الاستراتيجية التي كانت موضع بحث من قَبْل بينه وبين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
الرئيس الفرنسي لم يكتف بذلك - كما صرح الناطق باسم قصر الإليزيه - بل إنه أبدى سعادته بالتوقيع على الاتفاقيتين مدار النقاش والحوار، وهو ما يعني التزام سياسي فرنسي بالدرجة الأولى لضمان تحقيق الشراكة الاستراتيجية وفي ذلك دليل على عمق الصداقة والعلاقة المتميزة بين البلدين.
وفي البيان المشترك الذي صدر في أعقاب مغادرة الأمير سلطان لباريس في ختام زيارته لها، لاحظنا مؤشرات أخرى كثيرة تزيد في إيضاح الشراكة المقصودة في العلاقة السعودية الفرنسية، والالتزام بكل ما يعزّز استمرارها ويعطيها مدى أطول تفعيلاً وتنويعاً في جميع المجالات التعاونية.
فقد تابع الأمير سلطان مع الرئيس شيراك النتائج المهمة التي حققتها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى فرنسا عام 2005م وزيارة الرئيس شيراك للمملكة في شهر مارس من هذا العام، والنتائج التي حققتها هاتان الزيارتان في تكريس الشراكة الاستراتيجية لتحقيق مصلحة البلدين والشعبين الصديقين بحسب ما أشار إليه البيان الختامي المشترك عن الزيارة.
لكن الأمير سلطان لم تشغله بلاده واهتمامه بها، عن الاهتمام بقضايا أمته العربية، وبخاصة أن الزيارة تمت في فترة زمنية دقيقة وغاية في الأهمية، حيث يواصل العدو الإسرائيلي عدوانه على الشعبين اللبناني والفلسطيني بذريعة الدفاع عن أرضه وسلامة مواطنيه.
وقد نجح سمو ولي العهد في الوصول مع الرئيس الفرنسي إلى اتفاق وتطابق في وجهات النظر بالنسبة للأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في لبنان وفلسطين، حيث نددا بشدة بأعمال العنف التي استهدفت المدنيين والممتلكات والبنى التحتية في تعارض صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية كما يؤكد ذلك البيان السعودي الفرنسي المشترك.
ولم يكتف الأمير والرئيس بالتنديد في ظاهرة العنف التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وإنما تحدثا واتفقا على حلول لها، بدعوتهما إلى وقف فوري للعمليات العسكرية والعمل على إحياء خارطة الطريق وبمبادرة السلام العربية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وتبنتها القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت.
ولعل هذا النداء يلقى الاستجابة والقبول من الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، بما لها من نفوذ على إسرائيل، بإجبارها على القبول بحفظ السلام، حقناً للدماء وحتى لا يجد الإرهابيون من جميع الأطراف فرصة للإضرار بمقدرات الشعوب أو قتل الأبرياء منهم.
وفي برقية وجهها الأمير سلطان إلى مضيفه الرئيس شيراك، لاحظنا أن سموه اختتمها ب(صديقكم سلطان بن عبدالعزيز) وهذا يعطي بعداً تفسيرياً مهماً للنجاح الكبير الذي حققته الزيارة في إنجاز ما ذهب من أجله سلطان بن عبدالعزيز إلى فرنسا.
وإذا أردنا المزيد من المؤشرات على نجاح الزيارة، فعلينا ان نقرأ ما قاله الأمير سلطان مخاطباً الرئيس شيراك، من أنه ينوه بما أبداه الرئيس شيراك من آراء بناءة بشأن مختلف القضايا التي تهم بلدينا والتطورات في منطقة الشرق الأوسط التي جاءت متوافقة مع رؤى خادم الحرمين الشريفين.
|