المتابع الدقيق لسياسات الكيان اليهودي في فلسطين يعي أن الأحداث الجارية الآن في غزة ولبنان ما هي في أحد أوجهها إلا حرب اقتصادية أصبحت معلنة بعد أن كانت غير معلنة، والتي كانت قد بدت منذ أن طور العدو أشكال المواجهة مع العرب.
وقد أخذت الحرب الاقتصادية ضد العرب أشكالاً متنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر محاولة تكبيل الأصدقاء الأعداء بمجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والتي ظاهرها الرخاء والازدهار العميمان وباطنها السم الزعاف. ومن يتمعن في لب هذه الاتفاقيات يجد أنها إن سمح لها أن تأخذ مداها فإنها ستؤدي في النهاية إلى نقل كثير من مفاتيح السيطرة على اقتصادات الدول العربية الاطراف فيها إلى الكيان اليهودي. وبالتالي لا يحتاج الأمر إلى أكثر من ضغطة زر لإحداث آثار كارثية على مجتمعات هذه الدول.
أما في حال الرضا فإنه لا يمكن إغفال التشوهات التي تحدثها هذه الاتفاقيات مثل تشويه توزيع الموارد الاقتصادية، وتوزيع الثروة والدخل، والإخلال بهياكل الإنتاج وتكريس التبعية الاقتصادية بكل أشكالها.
وتصبح الحرب الاقتصادية سافرة جداً عندما تدمر المدارس والمستشفيات والطرق ومحطات الكهرباء والمياه والمطارات والموانئ ومخازن الوقود والغلال ويقتل العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات.
لا شك أن الحروب المعاصرة أصبحت حروباً اقتصادية في المقام الأول لكن صورها تختلف، ذلك أن الاقتصاد هو عصب الحياة فمتى أمكنت السيطرة عليه بشكل أو بآخر أمكنت السيطرة على المجتمع بكامل مقوماته ومكوناته لكن الذي يحدد الصورة الأنسب للحرب ولو بشكل جزئي هو التكلفة والعائد فالصورة ذات التكلفة الأقل والعائد الأعلى هي المتبعة، أما الأصل فهو قائم لا يتغير.
ما نحتاجه هو إدراك طبيعة الحروب المعاصرة وأشكالها وبالتالي إعداد الوسائل الدفاعية التي تناسبها وأخذ بها في الاعتبار عند صياغة وبناء وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التنموية والاقتصادية.
|