إسرائيل وإسكات الإعلام

لا تكتفي قوات الاعتداء الإسرائيلية بقتل المدنيين قتلاً جماعياً وتدمير كامل البنية التحتية في لبنان وإجبار آلاف النازحين على الهجرة من بلدانهم وقراهم إلى العراء، وإنما تريد أيضاً تسخير الإعلام الدولي لصالحها، وإظهارها بأنها تدافع عن نفسها، وأنها هي المعتدى عليها، وبالتالي تختلط الأوراق وتضيع الحقوق ويصبح الرأي العام العالمي في بلبلة وأمام صورة ضبابية لا يمكن أن يتبين فيها الجاني من المجني عليه.
وهي لعبة تجيدها إسرائيل وحلفاؤها كثيراً، وقد استطاعت اختراق الإعلام الدولي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وصورت الأزمة في المنطقة على أنها نزاع بين أطراف عدة، وأن قتل المدنيين يجري بالتساوي بين هذه الأطراف.
ومع ذلك لم تستطع إسرائيل اختراق كافة النظم الإعلامية الدولية، وحرصت بعض من المؤسسات الإعلامية على نقل الصورة في الشرق الأوسط كما هي قدر المستطاع.
ولذلك ظهر منتقدون للسياسة الإسرائيلية حتى من داخل إسرائيل نفسها، كالجماعات اليسارية المنادية بالسلام والمطالبة بالوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان.
ولأن إسرائيل تدرك تماماً فداحة ما تقوم به، سعت إلى إسكات الإعلاميين عبر استهدافهم وقتلهم أو أسرهم وقصف محطاتهم والوسائل التي ينشرون عبرها رسائلهم، وذلك حتى تعيث في لبنان وفلسطين قتلا دون مراقبة إعلامية قد تحشد الرأي العام العالمي ضدها، بل إنها حرصت على ألا يلقي الإعلام الضوء على حجم الدمار الذي قد تلحقه صواريخ حزب الله في شمال إسرائيل على الرغم من صغره، وذلك بسبب خشيتها من أن تعمل الصور الإعلامية المنشورة على بث الرعب في نفوس المستوطنين، وبالتالي تخلق حالة من الاستياء لدى الرأي العام الإسرائيلي، والذي قد يضغط على الحكومة الإسرائيلية في اتجاه وقف العمليات العسكرية، ولذلك تواطأت الصحف الإسرائيلية الكبرى وعلى رأسها صحيفة معاريف مع الحكومة العبرية، واتسمت عناوين الصفحات الأولى منها بالروح الحماسية والشعور بالنصر، وإعطاء انطباع بأن الجهاز العسكري الإسرائيلي متحكم في الوضع وأنه يقوم بدك صفوف (العدو).
وفي المقابل.. هل استطاع الإعلام العربي-على الرغم من العقبات التي يواجهها- من نقل الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض؟.
ربما استطاع ذلك إلى حد ما، ولكن من المؤكد أن صوته لا يصل إلى خارج الوطن العربي إلا في حدود ضئيلة جداً، تاركاً للآلة الإعلامية اليهودية المساحة الكافية لتزييف الواقع والتلاعب بالرأي العام العالمي!!.