لم تكن الصحافة الفرنسية غائبة عن زيارة الأمير سلطان إلى فرنسا، ولم يشغلها شاغل عن الاهتمام بالزيارة والتركيز عليها، وفتح صفحاتها لأقلام كتَّابها وصحفييها كي يكتبوا عنها ويحللوا ما هو متوقَّع منها ضمن اهتمام غير مسبوق بها مقارنة بالزيارات الرسمية التي تمت هذا العام لزعماء دول آخرين.
ولم يكن هذا الاهتمام مستغرباً أو لافتاً، نسبة لما تمثله زيارة ولي العهد من أهمية من حيث التوقيت والنتائج المتوقَّعة منها، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو بالنسبة للتفاهم بين ضيف فرنسا والرئيس الفرنسي حول الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وما يمكن أن يتوصلا إليه من تطابق في وجهات النظر للخروج من هذا التصعيد غير المبرَّر في عدوان إسرائيل في كل من لبنان وفلسطين.
وهذا الاهتمام الإعلامي بالزيارة يمكن أن ينظر إليه على أنه ضمن التقييم الفرنسي الشامل للعلاقات التاريخية بين المملكة وفرنسا، بكل ما يعنيه هذا الوصف الموجز، وما ترمز إليه وجهة النظر هذه من تقويم صحيح للسياسة التي تقود من خلالها المملكة وفرنسا العلاقة الثنائية فيما بينهما.
ومن الطبيعي أن تُسبق زيارة ولي العهد إلى فرنسا بما تم تسريبه من أن اتفاقيتين مهمتين سوف يتم التوقيع عليهما خلال الزيارة، وأن يقرأ الإعلام الفرنسي بطريقته ما يمكن أن يتوقعه من تطابق في وجهات النظر بين سلطان وشيراك عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
فها هي صحيفة (لاتريبيون) تتحدث عن دعوة الرئيس شيراك للأمير سلطان لزيارة فرنسا، وإلى توجه المملكة في دعم أسطولها الجوي بأسلحة فرنسية، بينما تتحدث صحيفة (تي تي يو) عن محاور التعاون العسكري بين الدولتين بتزويد القوات السعودية المسلحة بأسلحتها الثلاثة -الجوية والبحرية والبرية- بما تحتاج إليه من معدات عسكرية بما في ذلك الطائرات، فيما تشير صحيفة ليزيكو الاقتصادية إلى وثيقة للتعاون بين فرنسا والمملكة، وأنها تمثل في جانب منها التفاهم سياسياً، وفي الجانب الآخر تعزيز الآمال بإمداد القوات السعودية بحاجتها من المعدات العسكرية، ومن جانبها أكدت (لوفيغارو) في ملحقها الاقتصادي عن التوقيع على عقود تجارية بين باريس والرياض خلال زيارة الأمير سلطان.
والتعاون الدفاعي بين المملكة وفرنسا، وإن أخذ اهتماماً من الأمير سلطان في زيارته لفرنسا، فقد أعطى سموه من الاهتمام للتطورات في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان ما ساعد الجانب الفرنسي على الفهم الصحيح لما يجري من حرب إسرائيلية على الأراضي العربية، وبالتالي كَسْبْ الموقف الفرنسي في تأييد الخطوات التي تقوم بها المملكة لإيقاف إطلاق النار في لبنان، والدخول في مفاوضات لحل الإشكالات العالقة.
ولعل زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المنطقة التي تمت في أعقاب مباحثات سلطان وشيراك تبرز للمتابع الدور المهم الذي لعبته المملكة في تحفيز الجانب الفرنسي للاهتمام بالكارثة التي يواجهها الشعب اللبناني، وإيجاد حل لها، ومن ثم تثبيت السلام والأمن في هذه الجزء المهم من العالم، وهو ما يسجل للأمير سلطان الذي قاد بنجاح الدبلوماسية السعودية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين لشرح الموقف السعودي الصحيح لما يجري على الأرض اللبنانية بخلاف ما تدَّعيه إسرائيل.
وهكذا توجه أمس من باريس إلى واشنطن الأمير سعود الفيصل ليقود ومعه الأمير بندر بن سلطان وجهة النظر السعودية المؤيَّدة من فرنسا خلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، بأمل أن يتوقف القتال في لبنان وأن يتوصل الطرفان اللبناني والإسرائيلي إلى حل بالنسبة للأسرى وصولاً إلى إنهاء حالة الحرب المستمرة بين الطرفين.
ما يهم المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز، أن يتم إنقاذ الشعبين اللبناني والفلسطيني من الوضع المأساوي وأن تتوقف إسرائيل عن ممارسة عدوانها على البنية التحتية في كل من لبنان وفلسطين، وهذا هو المؤمَّل في مبادرة المملكة وجهودها التي تجري الآن مدعومة من أصدقائها، ومساندة بمواقف الأحرار والشرفاء والمحبين للسلام في العالم.
(يتبع) |