Monday 24th July,200612352العددالأثنين 28 ,جمادى الثانية 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

هل مآل الحلم القومي العربي اليقظة على كابوس طهران آيات الله؟ هل مآل الحلم القومي العربي اليقظة على كابوس طهران آيات الله؟
د. عبد الرزاق عيد *

منذ قرن وربع حذَّر الإمام محمد عبده أحمد عرابي ورؤساء العسكر الكفّ عن الشغب والخروج على الشرعية الدستورية عبر (النزعة الانقلابية) واللعب على أهواء العامة ومشاعرها عبر (النزعة الشعبوية)؛ لأن ذلك من شأنه أن (يجر على البلاد احتلالاً أجنبياً يسجل على مسبِّبه اللعنة إلى يوم القيامة). وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ بعد سنة من هذا التحذير ستدخل القوات الإنجليزية مصر بأسهل مما يدخل دامر - (الداخل بلا أذن) - على قوم على حد تعبير الإمام. وبذات السهولة ستنهزم فيها الشعبوية الانقلابية (البعثية والناصرية) في حزيران 1967م لتتوج اللعنة مآل كل المغامرات العسكرية للعقل الشعبوي العربي: القومي واليساري سابقاً، والجهادي الإسلاموي لاحقاً، حيث ستختم اللعنة مصير أحد أشرس رموز الاستبداد في تاريخ سلسلة مسار العقل الانقلابي على الشرعية الدستورية ممثلاً بالقائد الضرورة - وريث هذه الشعبوية الشعارية الصارخة في تورُّمها الخبيث صدام حسين - عندما ستدخل القوات الأمريكية بغداد بأسهل مما يدخل (الدامر) ذاته منذ قرن وربع؛ أي أن اللعنة لا تزال تلاحق الحلم العربي الرغبوي الحماسي العاطفي المشاعري الذي يتشوق ويتشوف للأمنيات الكبرى التي لا تلبث أن تتجندل بالهزيمة تلو الهزيمة، دون أن يدرك أن أحلام المجتمعات تصنعها إرادة شعوبها: إرادة المعرفة وإرادة الحرية، وليس إرادة قهر المجتمعات من قبل طغم الحكام المستبدين.. لقد انطفأ الحلم الأول الذي أيقظه نابليون (نموذج باريس) مع دولة استبداد محمد علي التي قدَّم الإمام محمد عبده أروع لوحة فضح هجائي سوسيولوجي لطغيانها حتى اليوم، وذلك عندما هزمته جيوش أوروبا لتعطيه درساً بليغاً أن امتلاك نموذج حداثة باريس لا يتحقق بحداثة السلاح وإنما بحداثة العقل، ليس بتحديث الجيش والعسكر بل بتحديث السياسة والمجتمع.. ثم ما لبث أن انطفأ حلم (نموذج لندن) مع سقوط الشرعية الدستورية الليبرالية مع منتصف الخمسينيات من القرن الماضي العشرين عندما هزمت إسرائيل سبعة جيوش عربية سنة 1948م، وذلك لأن الشرعية الدستورية لم تنجز الثورة الثقافية الليبرالية الديمقراطية، فجاء العسكر أحفاد أحمد عرابي ومصطفى كامل ليدمروا المشروع الإصلاحي الدستوري لحزب الإمام، وسينطفئ لاحقاً (نموذج موسكو) قبل الألفين مع سقوط المشروع القومي اليساري للأحفاد الشعاريين الحالمين بالتغيير على أنقاض مجتمعاتهم وشعوبهم، ليستيقظ - أخيراً -العرب على كابوس آيات الله، إنه (كابوس طهران النموذج) الذي يمتطي صهوته - عربياً اليوم - السيد حسن نصر الله ليدعونا في آخر خطاب له شعوباً وحكومات عربية - دون أي استشعار بالهذيان وهو يستعيد مثالات صورة جمال عبد الناصر - لنلتحق بكابوسه (المقاوم) وكأننا لم نشبع هزائم، فيريد أن يضيف فاتورة الهزائم الإيرانية إلى قائمة حساب الهزائم العربية بوصفها قائمة مفتوحة على فواتير الهزائم!
ما دلالة ذلك؟
يشير ذلك إلى أن عالمنا العربي لا يزال منذ اللعنة الدستورية التي أطلقها الإمام محمد عبده في وجه الشعبوية (العرابية) الشعارية العسكرية المتنفجة خطابياً، نقول: إن عالمنا لا يزال يعيش الزمان بوصفه حركة اعتماد في المكان؛ أي جسد مطروح على قارعة طريق الجغرافيا العالمية، وروح لا يزال يتنفس برئة القرون الوسطى، وذلك عندما ينهزم خط الإمام الدستوري الديموقراطي المدني التنويري الحداثي في منتصف القرن العشرين الماضي، لينتصر الخط الانقلابي الشعبوي (العروبوي - اليساروي وأخيراً الإسلاموي)، وهو خط عقل العسكر: (رئيس الجهادية عرابي - وخطيب الفروسية البلاغية الشعرية محمود سامي البارودي - والخطاب العصابي على حد وصف الإمام محمد عبده لمقالات مصطفى كامل بوصفها نوبات عصبية).
سيِّد المقاومة نصر الله هذا المتنطع لقيادة الأمة قوموياً كعبد الناصر أو إسلاموياً كصلاح الدين - وهو على الأرجح الوجه الآخر لابن لادن- نعترف أنه أوهمنا لفترة طويلة وأنسانا حكمة الإمام التاريخية، وصدقنا الرجل وقدرنا روح التضحية فيه: شهادة ابنه في زمن وراثة الأبناء للأوطان، فإذا به - في المآل وفجأة - يفقد بريقه عندما يهب رأسماله الرمزي: متبرعاً ببندقية التحرير - التي هي رمز شرف المقاومة التي حرَّرت الجنوب - لرئيس المخابرات السورية في لبنان... بل إن سيد المقاومة هذا الذي يريدنا أن نخوض بحار دماء اللبنانيين خلفه هو ذاته الذي - منذ شهرين - كان يخطب بالحماس (المقاوم) المتأجج ذاته خطبة دينية - إذ هو يقدم موعظة دينية لمدة ساعات - كيف سمح له وقته الجهادي.. لقد كانت موعظة يستعيد بها سيد المقاومة عداوات الماضي المللي النحلي الطائفي، موعظة كانت ترتعش لها نفوس المؤمنين الشيعة البسطاء من بني قومه، فراحوا يبكون بحرقة تبدَّت - من السياق - أنها ليست من خشية الله على الأغلب، بل شعوراً بالذنب - أمام حالة الشحن ومواهب الوعظ - لخذلان هؤلاء المساكين آل البيت، ومن ثم كرهاً وغضباً ونقمة على قتلة الحسين: (يزيد وبني أمية)، وكأن السيد حسن نصر الله وهو يخطب في حينها، بغضبه وشحنه وتحريضه، عائد للتو من كربلاء وهو يرغي ويزبد ضد بني أمية ويزيد.
هذا الرجل الذي لا تزال حروب قريش (حرب البيت المرواني مع البيت الهاشمي) تشعل مخياله الثقافي والسياسي والجهادي هو الذي يتنطع لوحدة العالم العربي والإسلامي خلفه، وبالتالي خلف مرجعياته الكربلائية آيات الله في طهران الذين يريدون تعويم ملفهم النووي بدماء اللبنانيين؛ إذ يتقدم الصفوف بوصفه وريث الخطاب الشعبوي (القوموي واليساروي العربي) بكل أوهام برامجه وهزائم أنظمته، لكنه المختلف وهمياً تحت زعم أنه كان قد كسب إلى جانبه رضى (الله)، أليس هو قائد حزب الله؟ إنه يرث الخطاب القوموي العربي المأزوم والمهزوم، لكنه ما كان له أن ينهزم أمام إسرائيل إلا بسبب ابتعاده العلماني عن الله، كما يخطر للعقل الغيبي الفقهي القروسطي أن يتهوس ويفسر التاريخ بوصفه صراعاً بين حزب الله وحزب الشيطان، فقام (حزب الله) بالاستحواذ على ميراث الله بكله وكلكله وكليته، ولم يترك لعباده الآخرين في الوطن - بعد أن طردهم من الجنوب اللبناني - أي شرف للمقاومة بعد أن احتكرها وأصبح مع مرجعياته الخارجية وكيلاً حصرياً للوطنية، ليخوض حرب آيات الله بوصفها حرباً داخلية بعد أن غدت إيران داخلاً لبنانياً على أسس مذهبية، حيث لا يدري المرء ما هو المحظور القياسي معرفياً ألاَّ يعتبر المسيحي اللبناني فرنسا داخلاً لبنانياً إذا وافقنا على معايير حزب الله المذهبية الدينية في تحديد معنى الوطن والوطنية. وعلى هذا فلبنان - الاستثناء الديمقراطي في هذا الفضاء العربي الاستثناء الديكتاتوري عالمياً - بات عليه أن يدفع ثمن مصالح المرجعية الدينية (الإيرانية) لإحدى طوائفه باسم الوطنية والمقاومة؛ أي مصالح نظام آيات الله الذي يهدِّد العالم بالسلاح النووي ثمناً لبقائه الكابوسي على صدر العالم، حيث (الآخر) الغربي لم يعد عدواً بوصفه استعماراً كما كنا نقول نحن (القوميون واليساريون)، بل غدا الغرب - اليوم - بالنسبة للعقل الشعبوي العربي والإسلاموي (الجهادي والقوموي) بوصفه عدواً حضارياً: كنظام حكم، وطريقة تفكير، ومنظومات معرفية عقلانية، تنويرية، دستورية، ديمقراطية... ولذا توحَّد الخطابان والموقفان الإيراني والإسرائيلي على ذبح هذا اللبنان الطري، المخملي، الفيروزي، لصالح الرايات والعمائم والشعارات السوداء وفضاءات اللطم والندب وصور الشهداء التي تغطي صورة لبنان الأخضر كنعوات تعلن موته المؤجل، وعمامات آيات الله الإيرانية وأوهامها الرسولية على قيادة المنطقة وتحدي العالم، وهي تتبجَّح اليوم متنطعة لهزيمة العالم، ليتحدث المرشد والمشخص والرئيس المنذر القيامي باسم الحزب وبالنيابة عنه حول تسلحه أو عدم تسلحه، بينما الحزب يُذبح مع الشعب اللبناني.
نقول: التقى الخطابان والموقفان إسرائيل وإيران على تدمير لبنان برسم حل مشكلات جيرانه كأنظمة؛ لأن إسرائيل لم تَنْسَ هزائمها المتكررة في هذا اللبنان الصغير الوحيد الذي دخل معركة التحدي الحضاري معها: معركة الحداثة السياسية والفكرية والاجتماعية، وعلى هذا فاللبنان هو الوحيد الذي استطاع أن يقدم تمثيله السياسي والاجتماعي التعددي التوافقي من خلال نظامه الدستوري في مواجهة إسرائيل بدءاً من إخراجها من بيروت وانتهاء بإخراجها من لبنان نهائياً، وذلك بسبب الاستقلالية النسبية للمجتمع المدني عن السلطة؛ أي بسبب وحدة المجتمع اللبناني حول حزب الله وليس استقواءه بالسلاح على شعبه ومجتمعه الذي أمن حوض الماء لسباحته التي كانت مقاومة قبل أن تصبح رهينة ومراهنة؛ أي قبل أن يستبدل السيد نصر الله التعدد بالتفرد والتوافق الداخلي بالالتحاق الخارجي؛ ليغدو لبنان أسير القوى الخارجية التي تتفرج على محنته وآلامه دون أن تتمكن من كسر الطوق عنه لتقدم له كأس ماء، بعد توريطه
بمغامرة تحرير الأسرى!

* مفكِّر سوري

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved