Monday 24th July,200612352العددالأثنين 28 ,جمادى الثانية 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

تحليل رضا وحرقة نورة 1-2 تحليل رضا وحرقة نورة 1-2
عبدالله الصالح العثيمين

الكاتب المعروف الأخ الكريم رضا محمد لاري، من الموفَّقين في تحليلاتهم القيّمة للأوضاع السياسية التي تمرُّ بها أمتنا, وهي الأوضاع التي يسهم في تدهورها فقدان إرادة من داخل هذه الأمة، وبخاصة أكثر من ابتليت بقيادتهم لها، وتسلُّط جبروت يملي أوامره من بيته الأبيض، الذي يتطلَّع البعض إليه خشعاً أبصارهم ترهقهم ذلَّة.
والكاتبة ذات المكانة المرموقة في دنيا الكتابة، الأخت نورة خالد السعد من الموفّقات في طروحاتها الجميلة عما يجري في الساحة من موضوعات، اجتماعياً وسياسياً، زادها الله توفيقاً وسداداً، وأعانها على أداء الرسالة التي نذرت نفسها لأدائها على أحسن ما يرام.
وكانت مقالة الأخ رضا - وعنوانها: (العدوان الثنائي على فلسطين) - مجاورة لمقالة الأخت نورة - وعنوانها: (هل نحن في مرحلة اللا فعل) - في صحيفة الرياض الغرَّاء يوم الخميس العاشر من هذا الشهر.
في بداية مقالة الأخ رضا ذكر أن في طليعة أهداف الكيان الصهيوني من عدوانه الأخير تفريغ الأرض من أهلها لإقامة إسرائيل الكبرى، وتهويد مدينة القدس، وأشار إلى أن نية ذلك العدوان كانت مبيتة منذ وصول حماس إلى الحكم بانتخاب نزيه مما أغضب الصهاينة والإدارة الأمريكية.
وبعد أن حلّل بموضوعية وصدق ما حدث قال:
(إن العدوان الصهيوني المؤيَّد تأييداً مطلقاً من أمريكا هو في حقيقته عدوان ثنائي أمريكي - إسرائيلي.. وإن أمريكا وإسرائيل مدانتان بجريمة التحالف ضد أحكام القانون الدولي العام.. وإن الجرائم المرتكبة تفرض تقديم رئيس الوزارة الإسرائيلية والرئيس الأمريكي إلى العدالة تحت مظلّة محكمة العدل الدولية، وبخاصة بعد أن أقرّ مبدأ محاكمة مجرمي الحرب وإن كانوا على قمّة السلطة في بلادهم).
وقد اختتم الأخ رضا كلامه بقوله:
(لا نتَّهم أمريكا جزافاً، وإنما استناداً إلى السوابق التي تعبِّر عن مواقفها المنحازة إلى إسرائيل، وكان آخرها موقفها في مجلس الأمن الذي أعلنت به مساندتها لإسرائيل ودعمها لدورها العسكري في قطاع غزة ضد الأرض وأهلها المقيمين بها... وإن أمريكا بمواقفها المؤيّدة لإسرائيل تصبح دولة إرهابية، وليست دولة تحارب الإرهاب، وإن استمرار واشنطن بدعم الأطماع التوسعية الإسرائيلية سيحوّلها من حكم بين العرب وإسرائيل إلى طرفٍ في الحرب الدائرة بينهما، وسوف يخلخل مصالحها الحيوية في إقليم الشرق الأوسط ويعثّر علاقاتها مع العالم الإسلامي الذي يرفض تماماً التسلُّط الإسرائيلي والدعم الأمريكي إلى تهويد مدينة القدس).
وكلام الأخ رضا منطقي وعادل، لكنه يتناول عالماً لا تخضع قضاياه إلا لمنطق القوة، وبالرجوع إلى التاريخ والواقع يخرج المرء بما يأتي:
إن مؤسسي دولة أمريكا من الأوروبيين الذين استعمروا القارة الأمريكية اتَّصفوا بأمرين: الأول أنهم كانوا متصهينين فكراً مفتخرين بتصهينهم إلى درجة أن سمّوا بعض مستعمراتهم وأبنائهم أسماء عبرية، وسمّوا مستقرهم الأمريكي أرض الميعاد أو أرض إسرائيل الجديدة، وكانت أول رسالة دكتوراه في جامعة هارفرد، عام 1642م (العبرية هي اللغة الأم).
والأمر الثاني أن تاريخ أمريكا سلسلة من الجرائم الإرهابية، بدءاً بحرب الإبادة ضد سكان تلك القارة الأصليين، وهي الحرب التي لم تترك طريقة من طرق الإرهاب لم تستخدمها فيها، واستمراراً حتى الوقت الحاضر حيث يشاهد العالم كله ما ترتكبه في العراق بالذات من جرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والتدمير والسلب والنهب.
ومواقف قادة أمريكا المنحازة للصهاينة والمعادية لأمتنا قديمة راسخة الجذور، في عام 1818م دعا الرئيس الأمريكي، جون آدمز، إلى إقامة حكومة يهودية مستقلة في فلسطين، وكان الرئيس ولسون صاحب المبادئ المشهورة أول زعيم يؤيّد وعد بلفور، وذلك عام 1918م، أي بعد عامٍ واحد من إعلان ذلك الوعد، وما حدث من تولّي ترومان رئاسة أمريكا إلى الآن من دعم أمريكي غير محدود للصهاينة أمر لا يخفى على كل مهتم بالقضية الفلسطينية.
ولقد تحدَّث كاتب هذه السطور عن تلك المسألة في مقالتين نُشرتا ضمن كتابه خواطر حول القضية، الأولى عنوانها: (العداء المشترك)، والثانية عنوانها: (عراقة تأييد الإدارة الأمريكية للدولة اليهودية).
أما كلام الأخ رضا عن جوب تقديم رئيس حكومة الصهاينة والرئيس الأمريكي لمحكمة العدل الدولية على أنهما مجرما حرب فكلام صحيح لو كانت قوانين العدل مطبّقة في العالم، لكن إذا كانت أمريكا قد فرضت على العالم كله أن جنودها لا يحاكمون أمام محاكم دولية على جرائمهم بحق الآخرين فهل يُتصوَّر أن يقدّم رئيسها إلى محكمة العدل الدولية؟
إن أمريكا - في حقيقة الأمر - تسيّر بجبروتها وغطرستها الكثير من شؤون العالم وقضاياه، كما تتحكَّم بمجلس الأمن، ولقد أشار كاتب هذه السطور إلى ذلك في قصيدة عنوانها: (الشجن المر)، ومما ورد فيها قوله:


تملك الدنيا وتحكمها
بعصا الإذلال والدَّخن
دولة من كيدها مُلئت
جنبات الأرض بالمحن
مجلس الأمن الذي زعموا
كيفما شاءت له يكن

وأما قول الأخ رضا: إن أمريكا بمواقفها المؤيِّدة لإسرائيل تصبح دولة إرهابية، وليست تحارب الإرهاب فقول حق، لكن المتأمل في تاريخ قادة أمريكا قديماً وحديثاً يجد أن النادر منهم لم يكونوا إرهابيين، ولذلك فما قام به زعماؤها الحاليون استمرار موقف وليس تبدُّل موقف، وأما زعمهم بأنهم يحاربون الإرهاب فلا أظن منصفاً يصدقهم في هذا الزعم.
وتبقى مسألة مهمة ذكرها الأخ رضا، وهي أن استمرار أمريكا بدعم إسرائيل سيحوّلها من حكم إلى طرف في الحرب، وسوف يخلخل مصالحها الحيوية في إقليم الشرق الأوسط، أما كونها طرفاً في الحرب بين الصهاينة والعرب المعتدى عليهم، فهذا ما ثبت منذ زمن ولا يحتاج إلى أدلَّة وإن كان في فترات أقلَّ بشاعة منه في فتراتٍ أخرى، وأما كونها حكماً فلم يتصوّره عاقل، وإنما لجأ إليه من ضربت عليهم الذلّة والمسكنة حتى يقولوه، وكان كاتب هذه السطور قد عبَّر عن ذلك مناشداً زعماء أمته بقوله:


يا قادة العُرْب هلا استيقظت همم
منكم توالت على إغفائها حقب؟
ماذا يفيد لهاث خلف ما رسمت
من زائف السلم رأس الغدر والذنب؟
وهل تظنون من يبدي نصائحه
عدلاً يحقِّق في الشكوى كما يجب؟

صنوان قادة أمريكا - وإن جحدوا -
وطغمة لبني صهيون تنتسب
وأما خلخلة مصالح أمريكا في منطقتنا العربية فإن التاريخ - مشفوعاً بالواقع - يفيدنا أن مواقف تلك الدولة العدائية ضد أمتنا لم تزد تلك المصالح - مع الأسف الشديد- إلا رسوخاً وعمقاً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved