* برلين - (ا.ف.ب):
حفلت نهائيات كأس العالم الثامنة عشرة لكرة القدم التي استضافتها ألمانيا من 9 حزيران - يونيو الماضي حتى 9 تموز - يوليو الحالي بالكثير من المحطات التي يجدر التوقف عندها، لكنها فرضت من دون شك أفضلية الكرة الأوروبية على نظيرتها الأمريكية الجنوبية وأكَّدت أن التنظيم الدفاعي بات أنجح الوسائل لإحراز اللقب.
شهر كامل من المنافسات بين أفضل منتخبات العالم من جميع القارات سبقته معسكرات اللمسات الأخيرة ومباريات ودية وصل معها عشاق اللعبة إلى درجة من الإشباع الكروي، وباتوا كما اللاعبين بحاجة إلى فرصة لالتقاط أنفاسهم قبل أن تطرق أبواب البطولات المحلية وخصوصاً الأوروبية منها إيذاناً بالعودة إلى ساحة المعركة مجدداً.
منتخبات خيبت الآمال لأنها لم تقدم مستوياتها المعهودة فخرجت مبكراً وصدمت مناصريها، وأخرى لعبت بشكل رائع في الدور الأول وعاندها الحظ لاحقاً فودعت وكانت الصدمة أكبر، ومنتخبات تراجعت عمَّا قدمته في النسخة الماضية وخصوصاً على الصعيد الآسيوي، ومنتخبات فشلت في تلميع صورتها.
وهناك منتخبات تعرضت إلى كثير من الانتقادات في الدور الأول لأن عروضها كانت من الأسوأ في البطولة، فلم يتوقّع لها أحد الذهاب بعيداً لكنها خالفت ذلك وحجزت أماكنها في أدوار متقدمة، ومنها منتخبان خاضا المباراة النهائية أمس الأحد في برلين.
والأهم من كل هذا، إن النهائيات الحالية لم ترق بكرة القدم إلى مستوى مرتفع رغم امتلاك معظم المنتخبات ترسانة من اللاعبين الموهوبين تحت إشراف مدربين لهم باع طويل وقدرات هائلة، وغلب التنظيم الدفاعي على الفعالية الهجومية ما ينعكس بدوره على جمالية الأداء التي تطرب لها الجماهير، فخرجت نتائج كثيرة بمستوى متدن من الأهداف أو من دونها حتى.
ودافع المدربون عن أداء منتخباتهم حتى في المباريات التي لم يقدموا فيها مستويات جيدة، فدخلت كرة القدم مع ذلك في مزيج من الأوصاف، التكتيك العالي والواقعية واللياقة البدنية المرتفعة، إلا أن كل ذلك وحتى النتائج الجيدة التي قد أسفرت عنها تلك المباريات لم يكن مقنعاً كثيراً.
والإحصاءات تشير بوضوح إلى تواضع معدل تسجيل الأهداف في البطولة، إذ شهدت ثاني أدنى معدل من الأهداف في المباراة الواحدة (2.29 هدف) بعد مونديال 1990 في إيطاليا (2.21). وحتى إن هداف البطولة الألماني ميروسلاف كلوزه اكتفى بخمسة أهداف فقط، وهو ثاني أدنى معدل في تاريخ كأس العالم بعد مونديالي 1934 في إيطاليا و1962 في تشيلي وتقاسم في كل من النسختين لقب الهداف أكثر من لاعب برصيد أربعة أهداف لكل منهم.
منتخبات غير مقنعة
صدمتان طبعتا نهائيات مونديال ألمانيا، الأولى تمثَّلت بخروج الأرجنتين من ربع النهائي أمام الدولة المضيفة، والثانية بفقدان البرازيل لقبها بخسارتها أمام فرنسا مجدداً في الدور ذاته.
أمتعت الأرجنتين الجميع في الدور الأول وخصوصاً في مباراتها مع صربيا ومونتينيغرو حين دكت شباكها بستة أهداف نظيفة كان أروعها هدف استيبان كامبياسو الذي شهد 24 تمريرة حضَّر على أثرها المهاجم هرنان كريسبو كرة بكعبه إلى كامبياسو فأكملها في الشباك.
وكانت فعَّالة أيضاً أمام ساحل العاج في مباراتها الأولى، هجوماً بتسجيلها هدفين، ودفاعاً بصدها هجمات الأفارقة السريعة، وجاءت مباراة القمة ضد هولندا التي شارك فيها عدد من اللاعبين الاحتياطيين لتؤكد علو كعب الأرجنتينيين.
وكانت صفوف منتخب الأرجنتين زاخرة بالمواهب فعلاً من خوان رومان ريكيلمي إلى خافيير سافيولا إلى هرنان كريسبو وغابرييل هاينتزه وليونيل ميسي وكارلوس تيفيز وروبرتو ايالا وبابلو ايمار وغيرهم، لكنهم فشلوا في تكرار إنجاز الأسطورة دييغو مارادونا الذي قاد المنتخب إلى اللقب عام 1986 والنهائي عام 1990، فخسروا أمام ألمانيا بركلات الترجيح 2 -4 بعد أن انتهى الوقتان الأصلي والإضافي (1 -1).
وليس بعيداً عن الصدمة الأرجنتينية، فإن الحلم البرازيلي تبخر أيضاً في ربع النهائي بالخسارة أمام فرنسا صفر - 1 بعد أداء متواضع ومنتخب مفكك عجز سحرته عن تشكيل ضغط ملائم لهز شباك الحارس فابيان بارتيز الذي كان احتفل مع زملائه عام 1998 بالفوز عليهم بثلاثة أهداف نظيفة في المباراة النهائية.
ولا يقتصر آفاق البرازيليين عند العقدة الفرنسية التي باتت ماثلة أمامهم في نهائيات كأس العالم (3 هزائم أعوام 1986 و1998 و2006)، بل إنهم زحفوا إلى ربع النهائي من دون إقناع على الإطلاق، ولم يقدموا ما يذكر بمستواهم أو إمكاناتهم إلا القليل ضد اليابان في الدور الأول (4 -1)، بينما كان فوزهم على كرواتيا 1- صفر وأستراليا 2 - صفر غير مقنع.
وحتى في الدور الثاني، ورغم النتيجة المريحة على غانا 3 - صفر، فإن منتخب البرازيل (حامل الرقم القياسي بخمسة ألقاب) لم يقدم مستوى يرفع من حظوظه في إحراز اللقب.
وبدا لافتاً غياب خطورة صانع ألعاب برشلونة الإسباني رونالدينيو الحاصل على جائزة أفضل لاعب في العالم في النسختين الأخيرتين، فكان أشبه بظل اللاعب الذي قاد فريقه إلى لقب بطل الدوري الإسباني وبطل دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، فذهبت أحلامه بالتالي إدراج الرياح عندما أعلن أنه (في حال إحرازه مع المنتخب كأس العالم سينهي عاماً رائعاً لا يمكن تكراره بسهولة).
ولا يتحمل رونالدينيو وحده تبعات الخروج، فكاكا وأدريانو ورونالدو أيضاً لم يظهروا بمستوياتهم، الأول لعب جيداً في المباراة الأولى فقط، والثاني فقد قدرته على المشاكسة والتسجيل، والثالث كان غير جاهز تماماً للمشاركة بعد أن غاب نحو شهرين عن الملاعب بسبب الإصابة ولم تسمح له لياقته البدنية بخوض أكثر من سبعين دقيقة في المباريات الأولى.
وما يشفع لرونالدو أنه سجل ثلاثة أهداف وانتزع الرقم القياسي لعدد الأهداف المسجلة في النهائيات من الألماني غيرد مولر (15 للبرازيلي مقابل 14 للألماني).
إسبانيا تمتع وتخرج
أمتعت إسبانيا في مباراتيها الأوليين عندما دكت مرمى أوكرانيا بأربعة أهداف نظيفة وحولت تأخرها أمام تونس إلى فوز 3 -1 قبل أن يمنح مدربها لويس اراغونيس الفرصة للاحتياطيين لخوض المباراة الثالثة ضد السعودية التي انتهت بفوز ثالث أيضاً بهدف يتيم.
وارتفعت أسهم إسبانيا بشكل كبير لإحراز اللقب بعد أن قدم لاعبوها جملاً تكتيكية جميلة أبرزت إمكاناتهم خصوصاً المهاجم فرناندو توريس الذي بدأ بقوة بتسجيله ثلاثة أهداف قبل أن يصوم عن التهديف بعدها.
وكان قدر إسبانيا مواجهة فرنسا في الدور الثاني، وعلى الورق كانت الأفضلية لها لأن الأخيرة لم تقنع أبداً في الدور الأول وانتظرت حتى المباراة الأخيرة لتحجز بطاقتها إلى ثمن النهائي، إلا أن الواقع الكروي فرض نفسه وتوقف مشوار إسبانيا مبكراً فتبخرت الأحلام بإحراز اللقب الأول في تاريخها.
المنتخب الهولندي يدخل جميع البطولات التي يشارك فيها مرشحاً للعب دور فيها لكنه هذه المرة كان عادياً وافتقد سره المتمثِّل بالكرة الشاملة التي يغلب عليها الطابع الهجومي، فحاول المدرب والنجم السابق ماركو فان باستن الاستمرار حتى الأدوار المتقدمة لكن النهاية كانت سريعة وتحديداً في الدور الثاني بخسارة أمام البرتغال صفر - 1 شهدت أحداثاً مثيرة وطرد لاعبين من كل منتخب.
المكسيك قدَّمت كرة قدم جميلة أيضاً لكن لاعبيها افتقدوا الخبرة المطلوبة في المضي قدماً إلى الأدوار النهائية فاكتفوا ببلوغ الدور الثاني قبل أن يخسروا أمام الأرجنتين 1 -2 بعد التمديد.
آسيا فقدت انطلاقتها
فقدت الكرة الآسيوية انطلاقتها القوية التي شهدتها نهائيات النسخة الماضية عام 2002 حين بلغت اليابان الدور الثاني للمرة الأولى في تاريخها، وكوريا الجنوبية نصف النهائي في أهم إنجاز آسيوي حتى الآن قبل أن تحل رابعة بخسارتها أمام تركيا.
وفشلت المنتخبات الأربعة التي تأهلت عبر التصفيات الآسيوية وهي فضلاً عن اليابان وكوريا الجنوبية، السعودية وإيران، في اجتياز عتبة الدور الأول، مع أن كوريا كانت الأقرب إلى حجز إحدى بطاقات القارة الصفراء إلى ثمن النهائي قبل خسارتها أمام سويسرا صفر - 2 في الجولة الأخيرة.
وكان كل من منتخبي اليابان وكوريا بالذات يريد التأكيد على أن ما حققه في النهائيات الماضية على أرضه لم يكن صدفة، فجاء مونديال ألمانيا ليكشف تواضع المنتخبات وحاجة لاعبيها إلى مزيد من الخبرة.
كما أن النتائج التي حققها المنتخب السعودي (تعادل مع تونس 2 -2 وخسر أمام أوكرانيا صفر - 4 وإسبانيا صفر - 1 ) فتحت الأبواب أمام بحث مسألة الاحتراف نظراً لفارق الإمكانات بين اللاعبين السعوديين ولاعبي المنتخبات الأخرى.
وحدها أستراليا التي تأهلت على حساب الأوروغواي بعد الملحق الأمريكي الجنوبي الأوقياني، والتي ستخوض التصفيات المقبلة في القارة الآسيوية بعد انضمامها إليها، بلغت الدور الثاني قبل أن تخسر بصعوبة بالغة أمام إيطاليا صفر - 1 في الوقت بدل الضائع.
مواهب بحاجة إلى تنظيم
لم تغب المواهب الإفريقية كالعادة عن نهائيات المونديال لكن معظمها كان يشارك في هذا المحفل العالمي للمرة الأولى في مسيرته وافتقد الخبرة المطلوبة في التعامل مع مباريات بهذا المستوى.ورغم تأهل منتخبات غانا وساحل العاج وتوغو وأنغولا إلى النهائيات للمرة الأولى، فإنها قدمت عروضاً أحرجت فيها منافسيها في كثير من الأحيان، وخير مثال على ذلك مباراة ساحل العاج مع الأرجنتين (1 -2)، وتوغو مع فرنسا (صفر - 2)، لكن غانا فقط تابعت طريقها إلى الدور الثاني كممثلة وحيدة فيه للكرة الإفريقية، فكان قدرها مواجهة البرازيل، حيث خسرت بثلاثة أهداف نظيفة مع أنها كانت قادرة على تسجيل أكثر من هدف.
تونس ممثلة العرب في القارة الإفريقية لم تقنع كثيراً فلعبت جيداً في الشوط الأول أمام السعودية قبل أن تسقط أمام إسبانيا 1 -3 وأوكرانيا صفر - 1، لكنها تلقت ضربة موجعة بإصابة مهاجمها سيلفا دوس سانتوس قبيل النهائيات فغاب بالتالي عن المباريات الثلاث.
سيطرة أوروبية
سيطرت الكرة الأوروبية على النهائيات الحالية، حيث بلغت أربعة من منتخباتها الدور نصف النهائي هي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال رغم التفاوت في مشوار كل منهما.
وكانت نتائج إيطاليا وفرنسا عادية في الدور الأول لكنهما رفعتا مستوى التحدي بدءاً من الدور الثاني ونجحتا في حجز بطاقتيهما إلى مباراة القمة بعد أن أقصت الأولى أصحاب الأرض بهدفين في أقل من دقيقتين في نهاية الشوط الإضافي الثاني، وتخطت الثانية البرتغال بهدف من ركلة جزاء ترجمها نجمها زين الدين زيدان.
وكانت ألمانيا والبرتغال حققتا نتائج لافتة في الدور الأول بثلاثة انتصارات لكل منهما، ثم تغلبت الأولى على السويد في الثاني وأقصت الأرجنتين في ربع النهائي، أما الثانية فخاضت معركة حامية الوطيس في ثمن النهائي انتصرت فيها على هولندا 1 - صفر.
وشهدت المباراة المذكورة رقماً قياسياً في عدد البطاقات في مباراة واحدة خلال نهائيات كأس العالم وبلغ 20 بطاقة (16 صفراء و4 حمراء).
وامتلكت منتخبات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خبرة أكثر من منتخب البرتغال فاعتمدت على الواقعية بوجود عدد لا بأس به من النجوم في صفوف كل منها، كما ركزت بشكل أساسي على خطي الدفاع والوسط وإن مالت ألمانيا إلى الناحية الهجومية أكثر في بعض المباريات.
أما المنتخب البرتغالي الذي يميل أداؤه إلى الاستعراض أكثر مع نزعة هجومية وتمريرات سريعة تستقطب عشاق كرة القدم، فقدم عروضاً جميلة لكنه افتقد وجود الهداف الذي يعرف الطريق جيداً إلى المرمى وبان ذلك واضحاً ضد فرنسا في نصف النهائي.
التحكيم بين الثناء واللوم
لم يشهد مونديال 2006 مجازر تحكيمية بما للكلمة من معنى كما حصل في مونديال 2002 وتحديداً في مباراتي كوريا الجنوبية وإسبانيا، وكوريا الجنوبية وإيطاليا، إلا أن السرعة في إشهار البطاقات كان علامة فارقة يجب دراستها واستخلاص العبر منها للمناسبات المقبلة.
ولعل مباراة البرتغال وهولندا خير مثال على ذلك بغض النظر عن صحة قرارات الحكم أم لا، ما دفع برئيس (الفيفا) السويسري جوزيف بلاتر إلى القول عقب المباراة (أن الحكم كان بحاجة إلى بطاقة)، ثم ما لبث أن اعتذر منه لاحقاً.
ووقع الحكام في فخ (تمثيل) اللاعبين بسقوطهم على مشارف منطقة الجزاء أو في داخلها، وأهم حادثة كانت وقوع المهاجم الفرنسي تييري هنري في المباراة ضد البرتغال وحصوله على ركلة جزاء سجل منها زيدان هدف الفوز في نصف النهائي مع أن الخطأ كان عادياً وكان يمكن أن يكون تقدير الحكام مغايراً. إلا أن (الفيفا) جدد تأكيده على لسان بلاتر أنه يرفض الاحتكام إلى الفيديو لمساندة الحكام.
|