اقرأ القطعة التالية بتمعُّن واستعد للإجابة على السؤال القادم:
استفاق فاروق من نومه ليبدأ أول أيام إجازته الصيفية بغسيل وجهه (بالصابون) ثلاثاً علّها تذهب تجاعيد السهر في طلب العلم. وأتبعها باحتساء كوب من (القهوة) الذي اعتاد على تناوله ليعزز به استفاقته .. لم يختر من أطباق الإفطار إلاّ تناول قطعة من (الجبن) وهرع إلى مختبره الصغير ليبدأ تجاربه المتعدِّدة في طريق التدبُّر والتأمُّل بغية الوصول إلى محطة الاكتشاف والابتكار. مختبر فاروق يحتوي على (تلسكوب) يرصد به نجمه المفضَّل، ويحتوي معمل فاروق أيضاً على (طاحونة الهواء) التي تحوِّل حركة الرياح إلى طاقة ميكانيكية تقوم بطحن صخور جمعها ليقوم بتحليل مكوّناتها. أدار فاروق (مضخة) تعمل على الطاقة الشمسية والتي صممها كي تقوم بضخ الماء ليشحن محرك (الساعة المائية) ويزيد من طاقتها الكامنة، ويكمل الماء الخارج من الساعة رحلته المنتجة فيروي في نهاية المطاف نباتات شوكية قد استعمل فاروق فيها طريقة (التطعيم) بنباتات أخرى من نفس النوع لعله يحصل على نبتات صحراوية مشتقة جديدة أكثر اخضراراً ومقاومة للحر. لفاروق طاولة تحتوي على (أدوات جراحة) يستعملها في التشريح ليقارن بين جهازين هضميين لطائرين صحراويين مختلفين. وعلى طاولة التشريح تفاجأ فاروق بصناديق موضوعة عليها واستنتج من تغليفها أنّها هدايا النجاح من أهله وأصدقائه. لكن لفت انتباه فاروق صندوق ضخم في زاوية مختبره فتوجَّه إليه متعجِّلاً وفتحه ليجد مجسم الرقم (صفر) بداخله وعلم على الفور أنّها أحد مقالب رفيق دربه وصديق عمره أسامة الذي ترك رسالة داخلها تقول (مبروك النجاح لكن الهدية هي صفر). ضحك فاروق كثيراً وأكمل فتح الهدايا ليجد من والده (بوصلة) و(اسطرلابا) عتيقاً، ومن والدته (شيكاً) بمبلغ من المال، أما أخته فوجد منها (بلوراً) من الزجاج منحوتاً عليه بيت من الشعر تحثه فيها على المضي قدماً في البحث والتجربة وعدم اليأس وكان البيت التالي:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
السؤال: ما المستفاد من قصة فاروق؟
قمت بعرض تلك القطعة والسؤال المرافق لها على فئات عمرية مختلفة وكانت بعض الإجابات كالتالي:
* طفل عمره 7 سنوات: يجب علينا أن نأكل الجبن ونشرب القهوة ونستحم بالصابون كل يوم.
* طفلة عمرها 7 سنوات: فاروق نجح، وأعطوه هدايا.
* فتاة عمرها 16 عاماً: فاروق يريد أن يصبح مخترعاً.
* شاب عمره 18 عاماً: الجد والعمل يحقق الأمل والصبر مفتاح الفرج.
* امرأة عمرها 34 عاماً: تشجيع المجتهدين مهم جداً وتهيئة الجو المناسب لهم سيساعدهم في الوصول إلى مرادهم.
* رجل عمره 40 عاماً: البحث عن الحقائق مفيد في عملية التعلُّم ويساعد على الإدراك السليم.
لم يصل أحد ممن سئل للإجابة المراد الوصول لها والتي تكمن في كل ما تحدد بين الأقواس من كلمات في القطعة الآنفة. فيجهل الكثيرون مدى تأثير العلماء المسلمين على الحضارة الإنسانية على الرغم من أنّ هؤلاء العلماء قدموا أعمالاً تستعمل في حياتنا اليومية فجميع ما ذُكر بين الأقواس في القطعة السابقة هي اكتشافات واختراعات لعلمائنا المسلمين الأجلاء - رحمهم الله -. فمن منا لا يستعمل الصابون أو يشرب القهوة، لقد بلغت تلك الاختراعات والاكتشافات جل أنواع العلوم الأرضية والكونية كالفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب والصيدلة وغيرها ووصلت إلى كاتب هذا المقال حين كتب مسودة هذا المقال مستخدماً (القلم الحبر الجاف) الذي يُعَد أيضاً اكتشافاً للمسلمين - حيث أتى من حاجة - حين أمر سلطان مصر في عام 953 بإيجاد قلم لا يلوث يده ويبقع ملابسه.
ما توصل إليه العلماء المسلمون من اختراعات وابتكارات واكتشافات تُعَد إرثاً إسلامياً فكرياً عريقاً قامت على أثره حضارات وتسابقت أمم للاستفادة منه، إنّها أعمال ومنجزات أصيلة مفيدة لم يحفل بها أحد بقدر مكانتها، أمّا السلبيات والنقائص التي ساهمت أغلب الفضائيات - غير مشكورة ولا مأجورة - في نشرها في بيوتنا فتافهة عديمة الفائدة وتشغل وقت وفكر الناس لتبقى الحقائق بين الجهل والتجاهل.
لكم أتمنى أن يقام معرض دائم للعلماء المسلمين واكتشافاتهم واختراعاتهم المذهلة في العلوم المختلفة في مدينة الرياض: رياض العلم والطاقة والاقتصاد، تقوم بالإشراف عليه جهة قادرة متخصصة متحمِّسة، ولعلّ القارئ يتفق معي بأنّ أفضل من يرشَّح لذلك العمل هو الهيئة العليا للسياحة، وبمشاركة ومساندة جهات مختصة مثل: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ومؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله الموهوبين، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وبرعاية ودعم جهات تجارية وإعلامية، بالإضافة إلى الاستفادة من منظمات دولية كمنظمة العلوم والفنون التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومركز الدراسات والمخطوطات في ألمانيا الذي يديره فؤاد سيزكين وغيرها ممن يهتم بهذا الشأن.
أمّا عن الفكرة في إنشاء هذا المعرض فتتلخّص في الآتي:
1- توثيق اختراعات العلماء المسلمين بالصور والوثائق والمخطوطات.
2- محاكاة تلك الاختراعات بمجسّمات تفاعلية مع توضيح مشتقات تلك الاختراعات في ابتكارات أخرى في حياتنا اليومية.
3- إقامة محاضرات ولقاءات عن العلماء المسلمين ودعوة من استفاد من اكتشافاتهم من الغرب في اكتشافات أخرى لهم، وذلك للحديث عن كيفية الاستلهام ومواصلة البحث والبناء من خلال لبنات ابتكارات علمائنا التي أصبح بعضها قواعد ونظريات يرتكز عليها في شتى أنواع العلوم والمعارف.
4- وضع قسم خاص في المعرض لعلمائنا المسلمين الحاليين وابتكاراتهم واكتشافاتهم كفاروق الباز وأحمد زويل ممن تحضرني أسماؤهم، رغم تواضع العدد من الأسف، وعمل جزء مخصص للمخترعين السعوديين والسعوديات.
5- إيجاد نسخة متنقلة من المعرض كي يتنقل بين عواصم العالم الهامة كباريس ولندن وواشنطن وطوكيو وغيرها، ليصبح ملتقى علمياً حضارياً يدعو للتعاون بين الأمم والحضارات والشعوب، فيما يعود عليها بالنفع، كما أراد الله لبني البشر أن يكونوا كما في قوله تعالى في محكم تنزيله: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
6- يقوم المعرض بتنظيم مسابقات تنافسية لابتكارات ممتدة من اختراعات العلماء المسلمين تعرض فضائياً بطريقة تفاعلية مع المشاهدين ليصبحوا مشجعين لها وأكثر اهتماماً بثقافة الإبداع والابتكار والاكتشاف.
7- يتبنّى المعرض عمل أفلام وثائقية وموسوعات (مطبوعة وعلى الانترنت) عن العلماء المسلمين وإنجازاتهم.
مشروع المعرض - في اعتقادي - عمل استراتيجي محفز ومبرز للتراث الإسلامي الملهم، أتمنى أن يتحوّل من خاطرة إلى إرادة، فالمعرض سيلعب دوراً هاماً في تشجيع وشحذ همّة الشباب والفتيات والأطفال على مواصلة نهج أسلافهم في البحث من خلال التجارب والمحاولات والمشاهدة. وسيغيِّر المعرض - بإذن الله - فكرة أنّنا أوعية مستهلكة فارغة إلى عقول منتجة مصنعة فالماضي بذلك يشهد. وسيوضح المعرض لغير المسلمين أنّ الإسلام دين حضارة وعمل عامر لبناء الأرض، وسيوصل رسالة الإسلام السامية في خدمة الإنسانية واستغلال كافة الموارد بما يعمر هذه الكرة الأرضية ويسعد الإنسان بتجرُّد راق من الاستغلال المالي والفكري كما كان الحال عليه في تلك العصور المضيئة.
إنّ الدعوة إلى التقدم والنهوض العلمي والمعرفي للمسلمين نهج تنموي سديد أرسى دعائمه موحِّد هذا الكيان الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - وتتجلّى هذه السياسة في قوله: (إنّ تقدم المسلمين ونهوضهم هو من الأمور التي ما برحنا ندعو إليها إن شاء الله) .. داعماً ومساندا -ً رحمه الله - بقوله: (إنني أفخر بكلِّ من يخدم الإسلام ويخدم المسلمين وأعتز بهم بل وأخدمهم وأساعدهم وأؤيدهم)، ولقد استمر على ذلك الدرب القويم أبناء الملك عبد العزيز من بعده وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حين تألم وتألمنا معه في كلمته أمام مؤتمر القمة الإسلامية الاستثنائية الثالثة بمكة المكرمة عندما قال: (إنّه لمن المؤلم أن نرى كيف تداعت حضارتنا المجيدة من مراقي العز إلى سفوح الوهن)، فتطلّع بعد ذلك ونتطلّع معه بكلِّ تقدير ومحبة حين قال: (وأتطلّع إلى مخترعين مسلمين وصناعيين مسلمين، وتقنية مسلمة متقدمة).
نسأل الله تعالت عظمته أن يعيننا ويوفقنا لما فيه خير الإسلام والمسلمين كي لا نبقى في الصفوف الخلفية، فبشائر الأمل أمامنا بارقة، وسنحوِّل - بمشيئة الله - سفوح الوهن إلى دوحة وارفة لنغيِّر الحلم الباهت إلى شوق عارم يوقد بالهمة والعزم والإخلاص والصبر والعمل للوصول إلى مراقي العز.
|