القتل على الهوية

تستعير الحرب العراقية بتلقائية بعضاً من ممارسات وأدبيات الحرب الأهلية اللبنانية، وإن كانت الحرب العراقية تقاوم حتى الآن إدراجها تحت عنوان: الحرب الأهلية. ومع ذلك فكل المؤشرات تقول: إن العنوان يناسب هذه الحالة، وخصوصاً بعدما أصبح تعبير القتل على الهوية مطبَّقاً على أرض الواقع بصورة سافرة ومفجعة ومذهلة.. فقد مثلت مذبحة الأحد في حي الجهاد في بغداد التعبير العملي لتلك الصيغة عندما أقدم مسلحون شيعة، يقال: إن بعضهم على صلة بقوات من الشرطة، على قتل العشرات من سكان الحي بناءً على بطاقة الهوية، وذلك غداة إقدام مجهولين على إضرام النيران في مسجد للشيعة.
ومن الواضح أن هذا السيناريو هو الأفضل لمن لا يريدون استقرار العراق؛ إذ يكفي ارتكاب أفعال حمقاء مهما كان صغر حجمها وسط الشيعة أو السنة لإشعال نيران الغضب في الجانب الآخر، والانتظار لرؤية القتلى يتساقطون بالعشرات من الجانبين، قبل تطويق الوضع ثم استئنافه في وقت لاحق.. ووفقاً لهذه الصيغة التبادلية في القتل والقتل المضاد تمضي أيام وسنوات هذه الحرب، والأمر لا يحتاج لإعمال العقل كثيراً للتوصل إلى خيوط يمكن أن تؤدي إلى الكشف عن مدبري هذه المؤامرات التي تستغل التباينات التقليدية بين السنة والشيعة لتوتير الأجواء بينهما. ويتوجب على القادة السياسيين في الجانبين السعي بجدّ إلى تحديد هذه الجهات التي تغذي هذه الحالة السلبية، فمثل هذا السعي سيشكل في الغالب الجهد الأعظم والأكبر من حل الأزمة العراقية. ومن الواضح أيضاً أن القوى الموجودة في العراق بما فيها قوات الاحتلال تهتم بتنفيذ أجندة ليس بالضرورة أن تكون الأجندة الوطنية العراقية ذاتها، كما أن تلك القوى لها سياساتها وأساليبها في العمل اليومي والقتالي التي تستوجب ترتيبات معينة قد تتعارض تماماً مع الحالة العراقية السوية في إطارها الوطني المثالي الذي تتوحد فيه الرؤى الشيعية والسنية، وهذه الحالة السوية موجودة في الساحة العراقية مهما كثرت المشاحنات وعمليات القتل بين مختلف الطوائف، فهناك عناصر في الجانبين استطاعت عزل أنفسها من مستنقع الأحقاد المتبادلة والتوحد حول رؤى وطنية وتدرك بكامل وعيها حجم المؤامرة الكبرى ضد جميع العراقيين وبمختلف طوائفهم. ومن ثم فإن عمليات القتل الجارية قد تعبر أيضاً عن توجه إلى تغطية الجرائم المتواصلة التي تتورط فيها قوات الاحتلال، وآخرها جريمة المحمودية؛ حيث تم توجيه الاتهام إلى خمسة جنود أمريكيين باغتصاب وقتل طفلة عراقية (15 عاماً) وقتل والدتها ووالدها وشقيقتها الصغرى. وتأتي هذه الجريمة في سياق سلسلة من الجرائم للقوات الأمريكية في العراق.
إن إشغال العراقيين بالصراعات بين بعضهم البعض هدف تسعى إليه قوى أجنبية وإقليمية عديدة، ويبقى من المهم إدراك أبعاد هذه اللعبة الخطيرة والمقيتة قبل أن يصبح الهم اليومي للسني أو الشيعي البحث عن ضحية من الجانب (المضاد) يستفتح بها يومه وينفس بها عن حقد استطاع الآخرون تطويره وتنميته داخل نفسه.