لم تعد سوق الأسهم السعودية كما كانت من قبل مقصورة على الرجال من دون النساء، بل أصبحت سوقاً مفتوحة متاحة للجنسين، اعترافاً بحق النساء في المتاجرة بالأسهم، تفننت البنوك في برامج التسويق المباشرة، واستحداث صالات تداول خاصة، فيها من وسائل التقنية والراحة مما يجعلها أقرب إلى صالات الفنادق الفخمة منها لصالات البنوك. أما سيدات الأسهم فقد استبدلن عاداتهن القديمة المرتبطة بالتسوق والزيارات، بعادات جديدة أكثر إنتاجية وتحقيقاً للذات، وتنازلن بطيب خاطر عن أخبار الماركات، والموضة، واستبدلنها بأخبار الأسهم وسوق المال، أما توصيات العطورات وأدوات الزينة الباريسية فقد استبدلنها بتوصيات الأسهم.
من أكثر المتغيرات غرابة لدى النساء التغير الكبير الذي يعتبر تحولاً جذرياً في غيرتهن تجاه الأزواج، وهو أمر لم أكن أتوقع حدوثه، ولعل تأثير الثروة أصبح أقوى وأمضى من تأثير الحب والغرام، والمسلمات أيضاً. لم لا؟ فالنساء أصبحن أقل تحفظاً تجاه أزواجهن في متابعة الفاتنات من مقدمي برامج الأسهم في المحطات الفضائية، وأكثر ديموقراطية وتحرراً في قبول آراء الأزواج بهن، التي لا تخلو عادة من المديح والإطراء!!
ساعدت ثورة الأسهم في إحداث تغير كبير في المفاهيم والثقافات، والاهتمامات النسائية مع تغير واضح في تكوين المجتمع ونظرته للمرأة. فتحت سوق الأسهم السعودية الباب واسعاً أمام دخول النساء معترك التداول، فأصبحت متنفساً ومجالاً خصباً لتنمية مدخراتهن بعيداً عن وصاية الرجال، ووجدن فيه سهولة الاتصال والاستثمار بعيداً عن بيروقراطيات الدوائر الحكومية القاتلة لإبداعاتهن الاستثمارية.
البدايات لم تكن سهلة، خصوصاً مع قلة الوعي الاستثماري لدى سيدات الأسهم، أسوة بكثير من المستثمرين، فالمجتمع بأسره لم يكن مهيأ لتلك النقلة الاستثمارية مما أدى إلى تحملهن تبعات استثماراتهن الخطرة، أو القاتلة إن أردنا الإنصاف.
انهيار سوق الأسهم أدى إلى فتح الملفات المغلقة، فالخسائر المالية كانت فادحة والأضرار الاجتماعية كانت أكبر مما توقعه المسؤولون الذين تركوا السوق تواجه قدرها المشؤوم.
التجارب القاسية أقنعت الجميع بأن الحماية الشخصية المعتمدة على الكفاءة الاستثمارية والثقافة المتخصصة وحسن التعامل مع متغيرات الأحداث في أسواق المال هي الكفيلة بتحصين المتداولات، والمتداولين ضد أخطار السوق المحدقة.
للأسف الشديد، تعرضت سيدات السوق، وساداتهم، إلى خسائر فادحة في سوق الأسهم، خصوصا الموظفات منهن، اللاتي حصلن على قروض مصرفية لأغراض استثمارية. تبخرت الاستثمارات وبقيت القروض والتزامات الأقساط الشهرية كما هي ولسنوات قادمة.
في الأشهر الماضية، هدأت أصوات الانهيار، وبقيت آثاره عالقة، وجروحه غائرة، وعادت الحياة من جديد لسوق الأسهم بعد ثلاثة أشهر من الانهيار الأكبر في تاريخ الاقتصاد السعودي، وبدأت النساء في العودة التدريجية للسوق ممنين أنفسهن بتعويض خسائر الماضي وتحقيق المكاسب المالية التي تعينهن على تجاوز تجاربهن القاسية في أسواق المال.
أعتقد أن النساء قد وعين الدرس القاسي، كما هو حال المتداولين أيضا، لذا ربما أصبحن أكثر مناعة من أي وقت مضى وأكثر إدراكا لما يدور حولهن من أمور الاستثمار وخبايا السوق إلا أن الرغبة الملحة في التعويض، وتحقيق الربح السريع قد تنسي بعضهن تجارب الماضي القاسية، فيقعن في الخطأ من جديد، لذا فاستشعار الخطر وتذاكر الماضي كفيلان بإعطائنا أمصال المقاومة {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
قيل في الأثر أن التاجر الحقيقي هو الذي يقسم رأس ماله إلى قسمين، قسم للمتاجرة، والقسم الآخر للاحتياط ولنائبات الدهر، وهذه المقولة يمكن أن تؤخذ كقاعدة استثمارية أساسية في سوق الأسهم التي تحتل المركز الثاني في مستوى المخاطرة في أسواق المال.
لذا يمكن القول أن من أهم أساسيات الاستثمار، المحافظة على رأس المال من خلال توفير الاحتياطات، وتوزيع المخاطر.
وهذه هي النصيحة الأولى التي يجب التقيد بها، وعليها تبنى معظم الإستراتيجيات الاستثمارية، وطالما أننا تحدثنا عن توفير الاحتياطات فمن باب أولى التأكيد على أن الاقتراض من أجل الاجتماعية في سوق الأسهم هو أحد أخطر الأدوات الاستثمارية على الإطلاق ولعل معظم الخسائر الفادحة التي تحملها المستثمرون والمستثمرات كانت بسبب اعتمادهم على القروض البنكية، لذا ينصح دائما بتحاشي الدخول في القروض البنكية وعدم الاستسلام لمغريات التسويق المضللة.
القناعة كنز لا يفنى، وهذه المقولة يجب أن تكون حاضرة أمام أعين المتداولات، فتسييل المحفظة وجني الأرباح يساعدان كثيراً في تعظيم رأس المال والمحافظة على المكاسب المحققة.
جني الأرباح يسمح بتغيير المراكز وانتقاء أسهم أخرى لم تحظ بفرصة الارتفاع من قبل.
تنويع المحفظة يساعد كثيرا في خفض نسبة المخاطر، ويعطي فرصة أكبر لاستغلال فرص السوق المتنوعة. ويجب أن تكون إستراتيجية التنويع مبنية على أسس مدروسة تتخذ من القطاعات أساسا لتنويع الأسهم.
وأخيرا فإن مبادئ التحليل المالي المتاحة للجميع قد تكسب المتداولات قوة في اتخاذ القرارات بناء على معطيات التحليل التي توفرها البرامج الكومبيوترية المرتبطة مباشرة بنظام (تداول) والتي عادة ما تحدد نقاط الدعم والمقاومة للأسهم، وللمؤشر، والتي يمكن من خلالها تحديد نقاط الشراء والبيع الآمنة في الأوقات الطبيعية.
ينصح دائما بالابتعاد عن المضاربة اليومية، إلا لمتقنيها؛ فالمضاربة تحتاج إلى متابعة دقيقة للسوق وإلمام بشؤون التحليل، مع توفر وسيلة التنفيذ الفاعلة، وهو ما لا يتوافر لدى الغالبية العظمى من المتداولات. إضافة إلى ذلك، يعتقد خبراء النفس، أن المضاربة اليومية يمكن لها أن تتلف الأعصاب من خلال الضغط المستمر مما ينعكس سلبا على نفسيات المتداولات وعلى قراراتهن الاستثمارية وحياتهن الاجتماعية على حد سواء. لذا يبقى الاجتماعية في أسهم النمو، أو الاجتماعية من خلال صناديق البنوك المتوازنة بما نسبته أربعين في المائة من السيولة المتوفرة، هو الخيار الأمثل لسيدات الأسهم.
أخيراً، يجب الحرص على عدم تكرار أخطاء الماضي، والبعد عن الشائعات خصوصا ذات العلاقة بالأهداف السعرية البعيدة، التي قد تقضي على الأرباح وتلحق الضرر برأس المال.
ما أشبه الليلة بالبارحة، مقولة نرددها كثيرا، ونتجاوز مضامينها القيمة، فكم نحن محتاجون لها في هذه الأيام بالذات.
فضل بن سعد البوعينين |