لما كان الأب في البيت يستطيع أن يحقق مع الأم جو المحبة والأمن الذي يحتاجه الطفل لينمو، والذي يسبب الحرمان منه كل أمراض الطفولة والمراهقة والشباب التي نعرفها، فلنسأل أنفسنا كيف يعامل الأب أهل بيته وكيف يناقشهم؟ وكيف يجدد أفكارهم ومعلوماتهم؟ وكيف يقضي وقت فراغه ومَنْ يجالس وفيم يتحدث وكيف يغضب أو يثور؟ نعرف كيف ينشأ الطفل، لأن سلوك الأب وفكره واهتماماته هي العامل الأول والأساس فيما يتربى عليه الطفل من قيم ومبادئ.. وهذا السلوك هو ما يحاكيه الطفل أو يثور عليه ويكرهه ويريد بكل الصور أن يكوِّنه أو أن يتخلَّص منه.. وما أكثر الدراسات النفسية التي تكشف لنا عن أثر هذا السلوك الأبوي في نفسية الطفل وأخلاقه، بل وفي قدراته العقلية والنفسية، واحتمالات نجاحه أو فشله في الحياة، وما أكثر ما نعرف عن صور العنف والانحراف التي كان سببها ومصدرها الأول هو جو البيت وسلوك الأب المربي.. فلنصف إذن سلوك الآباء في البيت ومع العائلة نعرف نوع التربية التي يتلقاها الطفل وقيمتها.
وهذه القدوة في المنزل تحتاج إلى قدوة أخرى في المدرسة.. فالمدرسة مهما كانت ليست بناءً أو منهجاً أو مادة تعليمية، لكنها أساس وقبل كل شيء معلم. كيف يفكر المعلم، ما هي طريقته في المعرفة، وطريقته في تعليم نفسه، ووسائله في نقل هذه المعرفة والعلم إلى الأطفال؟ وعلى حسب ما يكون المعلم سيكون سالطفل، لأنه مع الطعام وضرورات النمو البدني، يتلقى ويتغذى بما يتعرَّف عليه من قدوة.. فالأسلوب الأمثل للتربية يبدأ أولاً بالأسلوب الأمثل لإعداد المعلم، ولتوفير كل ظروف ووسائل الراحة المادية والعقلية والنفسية اللازمة لأداء وظيفته.
ويبقى بعد القدوة في البيت، والقدوة في المدرسة، القدوة في المجتمع، فلنسأل أنفسنا ماذا يُقدِّم المجتمع لأطفالنا من قدوة، نعرف بالضبط ما هي تربية أطفالنا، وكيف سينشؤون.. والقدوة في المجتمع ناشئة ومتمثِّلة في كل مؤسساته، حتى مؤسساته الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب مؤسساته الإعلامية والتثقيفية بالطبع.
لست أريد بالطبع أن أُعدد العيوب أو النواقص في هذه القدوات الثلاث بالنسبة لأطفالنا وأجيالنا الناشئة فنحن نعرف عنها الكثير، ويحتاج كل منها إلى حديث مستقل، لكن أردت فقط أن أوجه النظر إلى أننا عندما نسأل عن التربية، يجب أن نسأل عن (القدوة في البيت والمدرسة والمجتمع).. وإذا أردنا أن نعرف الأسلوب الأمثل للتربية وجب علينا أن نعرف خصائص هذه القدوات ومحاسنها أو عيوبها.
|