Sunday 25th June,200612323العددالأحد 29 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"وَرّاق الجزيرة"

حصن ماوان بقايا مشيخة أم أسطورة!؟ حصن ماوان بقايا مشيخة أم أسطورة!؟
عبدالحكيم بن عبدالرحمن العواد

طرح الأخ يوسف العتيق في زاويته بصفحة الوراق يوم الأحد غرة جمادى الأولى تساؤلا وجهه لأهالي محافظة الخرج فقط!! عن حقيقة مبنى وصفه بالمثير للجدل يقبع على ضفتي وادي ماوان، إلا أنني سأدلي بدلوي في هذا الأمر رغم أني من أبناء محافظة الدرعية (فقط!) وشفيعي في ذلك أن شطري الآخر من محافظة الخرج، فأخوالي الكرام من هذه المحافظة، كما أني مهتم بتاريخ الأسرة التي حكمت قديما تلك المنطقة، إذن لابد أن الأمر يهمني فبحثي في تلك المواقع قد سبق تساؤل الأستاذ العتيق بمدة ليست بالقصيرة.
لم يبق من تلك المباني الواقعة على ضفتي وادي ماوان والتي تبعد عن مفرق طريق وادي ماوان للمتجه إلى حوطة بني تميم نحو ثلاثين كيلا غير جدران طويلة تجاهد كي تبقى واقفة رغم عوامل التعرية التي رسمت آثارها على تلك الجدران البائسة التي تحكي قصة مشيخة سادت بضعة قرون ثم بادت.
ولعل في وقوع تلك المباني في هذا الوادي وبعدها عن المناطق المأهولة ما ساعدها كي يظل بعض جدرانها صامدا حتى الآن رغم أن معاول الهدم المتعمد قد أتت على أكثرها خصوصا تلك القصور الشاهقة الارتفاع التي تتكون من ثلاثة طوابق وكانت آنذاك تقبع يمنة مجرى الوادي ويسرته أسفل الحصون التي مازالت صامدة حتى الآن.
روى لي من أدرك تلك القصور (هدمت منذ نحو عقد من قبل أصحاب المزارع المجاورة) أنها كانت ضخمة جدا وكانت تقبع داخل سور ضخم عال ينزل من أعلى الهضبة من الجهة الغربية من الحصن الموجود الآن ويتجه نحو مجرى الوادي ثم ينكسر ويتجه شرقا بمحاذاة المجرى ثم ينكسر مرة أخرى متجها شمالا صاعدا الهضبة مرة أخرى ثم يسير بمحاذاة الضفة متجها غربا إلى أن يلتقي مرة أخرى مع الحصن مشكلا سورا يحيط بالقصر من جميع الجهات ويعلوه ذلك الحصن الغريب.
ومن الجهة الأخرى من الوادي تبرز جدران طويلة جدا لازالت قائمة بارتفاع يصل إلى ستة أمتار وتقابل الحصن الذي وصفناه آنفا مما يعني أنها امتداد له إلا إنها أسوار فقط وليس بداخلها بنايات أو قواطع كالحصن المذكور، وكان يقبع أسفل منها - حسب الراوي - قصر عظيم مكون من ثلاثة أدوار مشابه للقصر الذي وصفناه من الناحية الأخرى من الوادي ويحيط به سور ضخم عال اندرس الآن فلا ترى له من باقية، ويبدو أن تلك المباني والحصون قديمة جدا سبقت وجود البنادق فالملاحظ أن تلك الحصون لا يوجد بها فتحات يرمي من خلالها الرماة بالبنادق كما جرت العادة في الحصون والقصور الأخرى، ويبدو أن هذين القصرين يخصان حاكم المنطقة وأسرته.
أما بقية الأهالي فيقطنون في بيوت متناثرة على ضفاف مجرى الوادي، وداخل روافده، يمنة ويسرة وقد كانت بيوتهم موجودة إلى عهد قريب حسبما يرويه بعض أصحاب المزارع في المنطقة.
سوق أم إسطبل؟
بعد أن وصفنا المظهر الخارجي للمنطقة إجمالا، يجدر بنا أن نصف ذلك الحصن الذي يقبع في أعلى هضبة الجهة الشمالية من الوادي عند ملتقى مجرى الوادي الرئيس برافد صغير من روافد الوادي، وهو موقع اختير بعناية يمكن الواقع داخل الحصن من مراقبة الجهة الشرقية بامتداد الوادي والجهة الشمالية والجهة الغربية، أما الجهة الجنوبية فهي محمية كونها جهة الوادي، وحيث إن ذلك الحصن يحده الوادي ورافده من ثلاث جهات فهو يعتبر بذلك محصن جدا، وتبقى جهته الغربية وقد حميت بسور خارجي آخر يمنع من يريد اقتحامه.
يمكن للواقف من الجهة الأخرى الجنوبية من الوادي أن يرى الحصن كاملا وبشكل واضح وقد أخذ شكلا مربعا تقريبا وسوره الخارجي يرتفع بنحو أربعة أمتار، وأطواله من الشمال إلى الجنوب نحو ثمانين مترا ومن الشرق إلى الغرب نحو تسعين مترا، وقد بني سور آخر من الداخل مواز للسور الخارجي وبنفس ارتفاعه وبينهما مسافة نحو من مترين، ويمكن رؤية أساسات أخشاب السقف في الجدار بارتفاع نحو متر ونصف المتر ثم تعلوها أيضا أساسات أخشاب سقف آخر بنفس الارتفاع تقريبا، مما يعني أن السور مكون من طابقين، وقد قسم الممر الواقع بين السورين بقواطع بارتفاع متر كل أربعة أمتار تقريبا وتكرر هذه القواطع من جميع جهات الحصن، أما ساحة الحصن الواسعة فهي فارغة ولا يوجد بها جدران، ويمكن رؤية آثار بوابة كبيرة من الجهة الغربية، كما توجد آثار بوابة كبيرة أيضا من الجهة الجنوبية المطلة على الوادي، إلا أن هاتين البوابتين قد سدتا باللبن ربما من قبل ساكنيه قديما أو من قبل من أتى بعدهم لينتفع بهذا الحصن.
ومن هيكل هذا الحصن يمكن استنتاج أنه استخدم إما كإسطبل للخيول حيث تبدو تلك الغرف الصغيرة المنتشرة في جميع الجهات أماكن لها، أو أنه سوق تجاري يحوي دكاكين صغيرة متفرقة يؤمها الناس من جميع نواحي المنطقة في يوم معلوم من أيام الأسبوع، إلا أنني أرجح الرأي الأول باعتبار أن السوق لا يحتاج إلى تلك التحصينات القوية، أما الإسطبلات فهي تحتاج إلى حماية قوية خوفا من سرقتها من قبل اللصوص أو أي خطر خارجي محتمل.
وقد قرأنا في كتب المؤرخين كابن بشر وابن غنام وبعض المستشرقين وسمعنا أيضا من كبار السن في الدرعية، أن أسواق الدرعية ودكاكينها أيام الدولة السعودية الأولى كانت منتشرة على جانبي وادي حنيفة ولم تكن محصورة داخل حصن محدد، مما يضعف فرضية أن حصن ماوان كان يحوي دكاكين فليست هذه الطريقة متبعة عند أهل نجد، بينما نجد الدولة السعودية الأولى قد بنت إسطبلات قوية أسفل القصور في حي الطريف في الدرعية وهي مشابهة لتصاميم تلك الموجودة في حصن ماوان، إذن هو حصن يحوي إسطبلات للخيول، أما السقف الثاني فلا يستبعد أنه يحوي أعلاف الخيول بحيث يكون فوق كل إسطبل مخزن للأعلاف.
عين الحصن وعين مييوين
لابد أن يطرأ على ذهن الناظر لهذا الحصن وتلك القصور المحيطة به سؤال بدهي وهو: من أين يتم سقيا قاطني تلك القصور وهذه الخيول الكثيرة؟ عند النظر من الجهة الشمالية من خارج الحصن يمكن رؤية صدع في الهضبة التي بني الحصن عليها وهذا الصدع بطول نحو خمسة عشر مترا وعرض نحو متر واحد وقد سد طرف هذا الصدع بساتر ترابي لا يسمح بخروج سوى الماء الزائد عن الحاجة مشكلا ما يسمى بالقلتة التي يمكن نضح الماء منها لسقيا الحصن.
كما أن الوادي يحتوي على مجار مائية طبيعية (غيول) ومن هنا اشتق اسم الوادي (ماوان) لكثرة مائه، وهذا بلا شك يشكل عامل استقرار واستيطان في المنطقة، حيث يمكن زراعة الأرض وغرس النخيل مما يحقق الاكتفاء الذاتي من الحبوب والتمور والأعلاف.
كما يذكر البعض أن في أعلى الوادي في منطقة تسمى مييوين (تصغير ماوان) كانت توجد عين دائمة الجريان تسمى (عين العبد).
مشيخة سادت ثم بادت
اختلف الناس حول من هم أصحاب تلك القصور ما بين من يقول إنها قصور لآل زامل حكام الخرج قديما وقلة ترى خلاف ذلك.
وللوصول إلى الحقيقة لابد من الرجوع إلى التاريخ لمعرفة من سكن تلك المنطقة قديما؟ حسب علمي القاصر، أن تلك المباني الطينية لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يتجاوز عمرها خمسة أو ستة قرون على أفضل تقدير، باعتبار أن عوامل التعرية من رياح وأمطار وحرارة وبرودة ستؤثر بلا شك فيها ولن تدعها تعيش أكثر من ذلك، خصوصا إذا كانت مهجورة طويلا وغير خاضعة للترميم والصيانة.
وبالرجوع لكتب التاريخ التي تحدثت عن حكام المنطقة في القرون الخمسة الأخيرة التي يفترض أن تلك القصور بنيت خلال حكمها، نجد أن أقرب نقطة إلى ماوان تحدث المؤرخون عن حكامها هي الدلم التي يفيض ناحيتها سيل ماوان.
ولكن السؤال المحير: لماذا لم يذكر المؤرخون ماوان عند حديثهم عن حكام الدلم آنذاك وهم آل زامل؟ فهل يعني هذا أن هذه القصور لا تخصهم! ولكن غالبية الأهالي تؤكد أن هذه القصور لآل زامل! إذن كيف حكم آل زامل الدلم والمناطق المحيطة به وهم يقطنون في تلك المنطقة البعيدة نسبيا بمقاييس ذلك الوقت عن عاصمتهم الدلم؟ وللإجابة على هذا التساؤل نقول إن الوثائق القديمة قد أشارت إلى أن المنطقة كانت تحت نفوذ أسرة آل عثمان من عائذ، فقد أشارت وثيقة تركية إلى أن شيخ قلعة الدلم في أواخر القرن العاشر الهجري كان عيسى بن عثمان، وكان يشرف على قوافل الحجيج التي تمر بإقليم الخرج بتكليف من الخليفة العثماني في ذلك العهد السلطان سليم الثاني إلى جانب حكام السلمية والدرعية وملهم. ومن ذلك يتضح أن هذه القصور إن صح أنها لآل زامل بن عثمان فقد هجروها منذ القرن العاشر وما قبله وانتقلوا إلى الدلم لسبب معين سنذكره لاحقا.
كما أن زامل بن عثمان الذي ينسب له آل زامل حكام الخرج قد عاش في القرن الحادي عشر الهجري ولم يبدأ المؤرخون في ذكره إلا اعتبارا من سنة 1095هـ وكان يقطن الدلم.
وعليه فلا يصح تسمية تلك القصور بقصور آل زامل، وإنما تنسب إلى أجدادهم آل عثمان فهي (قصور آل عثمان)، وانتقلوا منها إلى الدلم في بدايات القرن العاشر وما قبله كما أسلفنا.
ويذكر كبار السن من الأسر العائذية التي لازالت تقطن الدلم حتى الآن لخروج آل عثمان وانتقالهم إلى الدلم قصة لا تخلو من الصحة، فيذكرون أن الحمى قد انتشرت في تلك المنطقة وأخذ الموت ينتشر بين الناس باعتبار تلك المنطقة موبوءة فهجروها إلى الدلم، ويقولون إن تلك العين التي في مييوين التي تسمى عين العبد كما أسلفنا، كانت موبوءة وتجري بماء يميل إلى الصفرة في بعض أوقات السنة ولذلك أسموها عين العبد لصفرتها! قلت: وقد تكون الملاريا هي التي انتشرت في القوم نظرا لكثرة المياه والمستنقعات في الوادي كما لا يستبعد أن تلك العين كانت كبريتية غير صالحة للشرب فدب المرض في الأهالي فهجروا المنطقة، والله أعلم.
ولا يستبعد أن آل زامل قد اتخذوا من تلك القصور والمنطقة المحيطة بها في الأزمنة التي تلت انتقال أجدادهم منها متريضا أو مصيفا (بلغة العصر الحاضر) يلجأون إليه فرارا من لهيب حر الدلم فحافظوا على بنيانها، ولعل هذا ما يفسر بقاءها حتى الآن، واتخاذ المصايف لم يكن بدعا تفرد به آل عثمان؛ فقد عرف عن آل معمر أمراء العيينة اتخاذهم وادي الحيسية وبالأخص منطقة الخمر التي اشتهرت بكثافة أشجار الطلح فيها، كانوا يتخذونها مصيفا، ولازالت تقف بشموخ في منطقة الخمر إلى الآن طلحة سامقة تسمى طلحة ابن معمر وهي التي كان عثمان بن معمر وغيره من حكام العيينة يستظلون تحتها بكثرة آنذاك.
ويرى البعض أن تلك القصور قد تكون من بقايا الدولة العيونية، باعتبار ورود حي ماوان في شعر ابن المقرب العيوني (ت 621هـ) حينما قال في قصيدة طويلة يمدح فيها الأمير محمد بن أحمد العيوني:


سائل ديار الحي من ماوان
ما أحدثت فيه يد الحدثان
وأطل وقوفك يا أخي بدمنة
قد طال في أطلالها إدماني
كانت جنانا كالجنان فأصبحت
للوحش موحشة وللجنان

وهذا الكلام لا يصح باعتبار أن الدولة العيونية قد حكمت الإحساء ولم تحكم نجدا وكان ذلك في القرنين السادس والسابع، وقد وردت في شعر ابن المقرب كونه قد انتقل من الإحساء إلى اليمامة بعد أن خرج مغاضبا لقومه الذين أوغروا صدر أمير العيونيين عليه ولم يلبث في اليمامة إلا قليلا، وكانت محطة قصيرة في حياته التي حفلت بالتنقل في الموصل وبغداد والقطيف وغيرها من المدن والبلدات.
إلا أن شعر ابن المقرب لا يخلو من فائدة، حيث يمكن الاستدلال بقصيدته تلك على أن الاستيطان في ماوان كان قديما سبق أسرة آل عثمان، وقد تكون قبيلة عائذ التي تنتمي إليها أسرة آل عثمان قد سكنت تلك المناطق في حقبة ما قبل امتداد نفوذها خارج المنطقة وتحالفها مع القوى صاحبة النفوذ في نجد آنذاك وهو ما تطرقت إليه في دراستي عن قبيلة عائذ وعلاقتها بالقوى المسيطرة في نجد وما جاورها والتي آمل أن ترى النور قريبا.
آمل أن أكون قد أسهمت في بيان حقيقة تلك القصور الغامضة التي تحتاج بلا شك مزيدا من الدراسة والبحث لإثبات أو نفي ما أوردته في هذه العجالة، والجهد مطلوب من أبناء محافظة الخرج لسبر أغوار تلك الأماكن وغيرها من البلدات القديمة الغامضة في المنطقة كأطلال بلدة البنة في اليمامة!
للتواصل مع الكاتب

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved