تحدثنا في عدة مقالات عن جرثومة المعدة وكيفية الإصابة بها والأمراض التي تسببها والوقاية والعلاج منها.. ومن خلال الاتصالات وأسئلة المرضى بل وبعض الأطباء أود أن ألفت الانتباه إلى عدة نقاط هامة أولاً: هذه البكتيريا المسماة بالبكتيريا الحلزونية البوابية (H.pylori) تنتشر حالياً في منطقتنا بشكل غير عادي وبزيادة مستمرة... فمعدل الإصابة بها يقل في معظم الدول المتحضرة بشكل سريع.. أما عندنا فتزداد بشكل سريع أيضاً فلماذا.؟
ذكرنا من قبل عدم اتباع الطرق السليمة في تحضير الأطعمة والمشروبات وعدم الإشراف المباشر على جميع محلات الطعام والمطاعم والرعاية الخاصة بمنسوبيها وتعليمهم النواحي الصحية والنظافة الشخصية بالإضافة إلى انتشار الحشرات وكذلك عدم غسل الأيدي جيداً قبل الطعام وكذلك الأواني قبل استخدامها مباشرة.. هذه هي أهم أسباب انتشارها.. عندنا فالمطلوب إذاً اتباع العادات السليمة والتعامل مع الطعام بشكل صحي جداً.
ثانياً: مع انتشارها بهذا الشكل ازدادت معها مشاكل الجهاز الهضمي وبالأخص المعدة والاثني عشر وكلنا يعلم أن المعدة بيت الداء.. لكن بعض هؤلاء المرضى لا يشتكون وينظرون إلى بعض متاعبهم على أنها قولون عصبي وبالتالي لا يبحثون عن سبب هذه المتاعب ويتعاملون معها ببعض الأدوية المسكنة أو أدوية الحموضة فيتحسنون بعض الشيء حتى تحدث المضاعفات من قرح بالمعدة ومشاكلها أو ضمور في جدار المعدة وما يليه من تغيرات وأورام في المستقبل.. وهنا تجدر الإشارة إلى شيء هام هو أن أي أعراض خاصة بالهضم أو آلام بالنصف العلوي للبطن قد تكون بسبب هذه الجرثومة ومشاكلها.. عندئذ يجب مراجعة الطبيب لعمل فحص خاص بها وعلاجها.
ثالثاً: للأسف الشديد فإن كثيراً من الأطباء الزملاء وأطباء شركات التأمين لا يؤمنون بأهمية هذه الجرثومة ويحاولون أن يقللوا من شأنها وعدم تسببها للأمراض وهذا شيء مؤسف... لأنهم كمن يترك الطائرة والسيارة ليذهب فيركب الجمل (مع أهمية الجمل).
فالعلم وآلاف الأبحاث على مستوى العالم أثبتت خطورة هذه الجرثومة على الجهاز الهضمي وجسم الإنسان.. فمثلاً وجد في الأبحاث أن أكثر من 90% من قرحة الاثني عشر وحوالي 75- 85% من قرحة المعدة سببها الجرثومة وأن كل حالات التهاب جدار المعدة المزمن (100%) في بلادنا هي السبب فيه وأن نسبة حدوث سرطان المعدة يتضاعف أكثر من 20 ضعفاً في المصابين بها... وأن لها آثاراً أخرى على باقي جسم الإنسان مثل تصلب الشرايين, التهاب المفاصل والصداع النصفي والدوار وحساسية الجلد وبعض أمراض الأعصاب واضطراب ضربات القلب والوهن العام حتى مرض السكر جميعها تزداد نسبة حدوثها من المصابين بهذه البكتيريا... فبالله عليكم ماذا يبقى لكي نغلق أعيننا وندفن رؤوسنا في التراب حتى لا نكلف أنفسنا مشقة وتكاليف البحث عن هذه البكتيريا وعلاجها.. فيا أيها الزملاء ويا أطباء التأمين بشركات التأمين المحترمة: ارحموا الناس وتعاملوا مع الموقف بما يستحق حتى نستطيع أن نعالجهم بطريقة سليمة وليس مجرد إعطاء مسكنات وإيهام المرضى أن هذه مجرد أعراض قولون عصبي.. وهذا محكوم عليه أن يظل يعاني طول حياته فكيف ترفض بعض شركات التأمين عمل هذا التحليل أو عمل منظار معدي لهؤلاء المرضى... أجيبوني بالله عليكم رغم إرسال تقارير عدة لهذه الشركات لتوضيح الأمور.
رابعاً: أما عن العلاج فحدث ولا حرج فكثير من الأطباء وأيضاً شركات التأمين ترفض العلاج أو ترفض إعطاء العلاج للمدة الكافية التي أكدتها الأبحاث ويكتفون بأسبوع واحد أو 10 أيام علاج فقط مما ينتج عنه مشكلتان.. الأولى: هي عدم شفاء المريض تماماً وعودة المرض والأعراض.. والثانية: هي حدوث مناعة عند الميكروب للمضادات الحيوية والنتيجة انتشار هذا النوع من الميكروب بين الناس، مما ستكون عواقبه وخيمة من حيث القضاء عليه حيث إن هذا الميكروب لا يتأثر إلا بقليل من المضادات ومعظمها الآن سجلت له مناعة بنسب غير قليلة، ولو حدث لا قدر الله انتشار هذه المناعة ضد العلاج فلا أدري ماذا سيكون الحال.. فمثلاً وصلت نسبة المناعة ضد الفلاجيل إلى أكثر من 45% وضد الكلاريثروميسين إلى 20-30% وكذلك باقي المضادات.
ويبقى أن نقول إن العلاج لا بد أن يستمر لمدة أسبوعين كاملين مع التأكيد على المريض بعدم نسيان الجرعة في ميعادها مع استخدام العلاج بمضادات الحموضة المعروفة لمدة أسبوعين آخرين... ومع ذلك فإن هناك نسبة قليلة أيضاً تحتاج إلى إعادة العلاج قد تصل إلى 5-10% قد تزيد مع الوقت لحدوث المناعة ضد العلاج.
يبقى سؤال آخر عن مضاعفات العلاج وهي موجودة، لكن معظم المرضى يتحملونها ولا توجد مشكلة مثل الدوخة والصداع والإسهال البسيط وتقلصات بالبطن وتغيير طعم الفم ولون البراز وكلها غير مؤثرة على المريض بدرجة كبيرة.. يبقى تعليق آخر:
هل نستطيع أن نتعاون مع كل الجهات المسئولة للقضاء على هذا المرض كما حدث مثلاً مع شلل الأطفال، (وهو بالمناسبة ينقل عن طريق الفم أيضاً مثل هذه البكتيريا) وغيره مثل الجدري... الإجابة طبعاً من الممكن... لكن يحتاج ذلك إلى جهد غير عادي وتعاون مستمر، ولو احتاج الأمر إلى مسح شامل وعلاج كلي متزامن لكل المصابين...إنه الحلم فهل يتحقق؟
د.محمد شريف استشاري أمراض الباطنية ومناظير الجهاز الهضمي
|