تعليقاً على ما ينشر في هذه المساحة (الحرة) من (عزيزتي) من نقاشات وحوارات حول المرأة عموماً، والمرأة السعودية خصوصاً، فإنني أحببت أن أداخل وأشارك بطرح رؤيتي حول وضع المرأة في بلادنا السعودية.
بداية لا بد أن يعي الجميع أن بلادنا تعتبر مرجعاً للمسلمين ومحط أنظار ومهوى أفئدة المسلمين وأرضها أرض العقيدة ومنطلق الرسالة، منها انبثق النور وانتشر الخير؛ فهي عاصمة المسلمين في كل أنحاء الأرض، ونحمد الله أن دستورها ومصدر حكمها وسياستها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فليس هناك دساتير أو قوانين وضعية، وليست بلادنا بلاداً ليبرالية تقنّن للمرأة قوانين وحقوقاً من اجتهادها البشري القاصر.. ليست بلادنا كذلك؛ فهي - ولله الحمد - أعطت المرأة حقوقها الشرعية، وجعلت أهل الذكر وعلماء الشريعة هم الذين يجتهدون ويوضحون حقوقها؛ انطلاقاً من كتاب الله وسنة رسوله، وها أنتم اليوم ترون وضع المرأة السعودية رغم الظروف والأحداث التي مرّت بها المنطقة فهي تبقى نموذجاً يحتذى؛ إذ استطاعت، من بيتها مصدر عفافها وسترها، وهي ملتحفة بعباءتها ومستترة بغطائها، أن تواكب التطور وأن تشارك وتسهم في مواكبة التقدم والرقي، فتجدها في المدرسة تربي وتعلم، وتجدها في البيت تقوم على رعاية الأبناء وخدمة الزوج وشدّ أواصر الأسرة، وتجدها في مراكز العلم والطب والبحث تعمل وتختبر وتكتشف؛ فمملكتنا - حفظها الله - أعطتها حقوقها الشرعية وسمحت لها بالخروج من بيتها والمشاركة والعمل وفق الضوابط الشرعية؛ لأننا كلنا رجالاً ونساءً لا نتحرك في هذه الحياة وفق آرائنا وعقولنا الضعيفة، وإنما ننطلق من شرع واحد هو الكتاب والسنة؛ فالمرأة كانت قبل الإسلام منتهكة الحقوق مظلومة، لكن بعد أن جاء الإسلام أزاح عنها الظلمة وأعطاها حقوقها التي تتناسب مع خلقها وهيئتها وتركيبتها؛ قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، وقال سبحانه: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ}، وقال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}، وقال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}، وكذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر: (كلكم راعٍ وكل مسؤول عن رعيته) إلى أن قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها) أو كما قال عليه الصلاة والسلام... هذه بعض من التشريعات التي تنظم حياة المرأة وتجعلها بمعزل عن الرجل؛ حتى لا تحدث الفتنة التي حذرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها: (ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء). لكن هناك أمراً لا بد أن يعيه كل من يرى أن المرأة السعودية لا بد أن تنزع غطاءها وتخرج من بيتها لتشارك في صناعة التحضر، وهو أن هذا البيت الذي تستظل تحت سقفه الأسرة من الزوج والزوجة والأولاد هو اللبنة الحقيقية للتقدم والتطور، وتماسك هذه اللبنة هو في الحقيقة تماسك للمجتمع؛ ولذلك حرص ديننا الحنيف أشد الحرص على أن يتماسك بناء الأسرة؛ فأمر الزوجة بأن تجلس في بيتها وتربي أبناءها وتهيئ الجو العاطفي السكني المفعم بالود والرحمة؛ ليسكن إليه الزوج وبقية الأسرة وتكون حياتهم متعاطفة متآخية متناغمة؛ ولذلك قال رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -: (لو أمرت بشراً أن يسجد لبشر لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها) الحديث بمعناه؛ وذلك لعظم حق الزوج الذي عليها أن تطيعه وتحفظه وترعى بيته في غيبته.
أما بالنسبة للرجل فهو قيّم هذه الأسرة وعمودها الفقري؛ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}. وحتى يشتد بناء هذه الأسرة ويزداد تلاحمها وتماسكها أمر الأبناء بطاعة والديهم والبر بهم فهم مصدر السعادة في الدنيا والآخرة، وعندما تكون عندنا أسرة متآخية متماسكة لا بد أن يكون عندنا مجتمع متلاحم وجدار متماسك؛ ولذلك شرع ديننا تشريعات للحفاظ على بناء المجتمع وشد لبناته؛ فأمرنا بالسلام وصلة الرحم وعيادة المرضى وإجابة الداعي وأوصانا بالجار وحرّم الغيبة والنميمة والتحاسد والتباغض... إلخ.
بعض الناس يتصور أن الدين الإسلامي عبارة عن قضايا تعبدية يقضيها الإنسان مع نفسه ويحاسب عليها فقط. هذا صحيح لكن لماذا أمرنا الإسلام بالطاعات ونهانا عن فعل المعاصي؟ هل ربنا - سبحانه - في حاجة إلى هذه العبادة؟ لا.. فربنا غني عن عبادتنا {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}؛ فالمنّة لله أن هدانا إلى الإيمان؛ لأن الإيمان، وهو تطبيق أوامر الشريعة والابتعاد عن نواهيها، فيه حياتنا وسعادتنا؛ فربنا ليس في حاجة إلى ذلك، وإنما يريد حياتنا وطمأنتنا في الدنيا والآخرة.
وعندما يأمر الإسلام المرأة بأن تبقى في بيتها وترعى أبناءها وزوجها وتحفظ بيتها ويعزلها عن أمكنة الرجال، فإن هذا ليس من أجل أن يشقيها ويتعبها، وإنما من أجل أن يحفظ توازن المجتمع ويحافظ على تماسكه؛ لأن المرأة نصف المجتمع بل أمّ المجتمع وأساسه وخروجها من بيتها ومزاحمتها للرجل في رزقه وأمكنة عمله تحدث شرخاً وخللاً كبيراً في أساسات المجتمع وجذوره؛ لأن أحكام شرعنا - كما أسلفنا - تدور حول الرجل والمرأة بشكل أساسي؛ فمتى أخل أحدهما بدوره ساعد على اهتزاز المجتمع من جذوره.
سطور أخيرة
البيت صورة مصغرة للمجتمع، والمرأة عنصر رئيسي فيه، بل هي مصدر تماسكه وتوازنه، فمتى وقرت في بيتها وعفّّت واحتشمت وصانت حقوق زوجها وتعبت في تربية أبنائها بنينا مجتمعاً راقياً متماسكاً متحضراً.
خالد عبد العزيز الحمادا/بريدة |