الأزمة الصومالية

الاعتراف المتبادل بين الحكومة الصومالية الانتقالية واتحاد المحاكم الإسلامية والذي تم الخميس الماضي خطوة مهمة باتجاه تحقيق السلام في الصومال. وخصوصاً وأن هذا الاعتراف يصاحبه اتفاق مبدئي على إنهاء العنف. كما إن هذا الاتفاق مما يحمد للجامعة العربية التي سعت جاهدة لرأب الصدع الصومالي بتعاون من السودان التي ترأس الجامعة العربية في دورتها الحالية، والتي تم توقيع الاتفاق على أراضيها. وعلى الرغم من التفاؤل الذي أحدثه الاتفاق، إلا أنه يجب أخذ الحيطة والحذر، كون الاتفاق ما هو إلا خطوة يتطلب خطوات أخرى شجاعة. فالصومال التي تفتقر إلى حكومة مركزية منذ خمسة عشر عاماً، وتحديداً منذ الإطاحة بالرئيس سياد بري وإلغاء الدستور عام 1991م، لا يمكن للسلام أن يتحقق فيها إلا بحل كل المشاكل المتعلقة بإدارة الدولة، وخصوصاً المشاكل الأمنية. وحيال هذه النقطة، تظل هناك خشية من الارتداد إلى الخلف، ولاسيما وأن هناك حديثاً من كلا الطرفين المتناحرين حول شروط لإنجاح المحادثات.
فالحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف أحمد تصر على أن تنزع ميليشيا المحاكم الإسلامية سلاحها، وأن تنسحب من المدن التي تسيطر عليها. في المقابل ترفض المحاكم الإسلامية بقيادة شيخ شريف أحمد هذه الشروط رفضاً قاطعاً، معتبرة أن ما حققته على أرض الواقع مكاسب لا يمكن التنازل عنها. كما إنها ترفض بالكلية دخول أية قوات دولية لحفظ السلام، وهو الذي طالبت به الحكومة الانتقالية وأقره البرلمان. وبالتالي، يتضح أن لكل طرف أجندة مختلفة عن الآخر إلى حد بعيد، وليس من الواضح كيف سيتم الاتفاق على هذه النقاط الخلافية، وبأية آلية. ومما يبعث على الحذر أيضاً أن الأطراف المتنازعة في الصومال عبّر تاريخها توصلت إلى اتفاقيات عدة، وأنشئ ما سمي مجلس الخلاص الوطني كما عقد مؤتمر للمصالحة عام 1997م، ولكن عدم قدرة الفصائل المتناحرة على تجاوز المصالح الفئوية والآيديولجيات المتصارعة، وتغليب المصلحة الوطنية، ومراعاة حق المواطن الصومالي في أن يعيش كريماً وآمناً، كل ذلك فضلاً عن التدخل الأجنبي ولاسيما الأمريكي، دفع بالأمور إلى التراجع إلى الخلف، وإرهاق الشعب الصومالي في حروب طاحنة. وبالتالي فإن السيناريو القديم قد يتكرر مع الأسف الشديد اليوم، إلا إذا استطاعت الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية التي هزمت أمراء الحرب المدعومين من قبل الولايات المتحدة، إذا استطاع هذان الطرفان الرئيسيان في المعادلة الصومالية اليوم في أن ينشئا أرضاً مشتركة للعمل عليها، وجسر الهوة بينهما، فإنهما سيصلان بالصومال إلى بر الأمان بإذن الله تعالى.