يا إلهي.. ما هذه الطعنات المتوالية التي يوجّهها للقلب خنجر الزمان، إنه يريد أن يقتلني كالثور الإسباني الذي يراوغه (الميتادور) المحترف؛ ليخالسه أثناء احتدام الجولة بطعنة في الظهر، ثم يهيّجه بالتحدّي ليسدّد إليه طعنة أخرى، وهكذا حتى يخرّ الثور صريعاً على الأرض. أقول هكذا يفعل بي الزمان في جولة هذه ال(خمسة أعوام) الأخيرة؛ فقد سدّد لي أولاً طعنة ناصلة برحيل الصديق الوفيّ الشاعر المبدع عبدالله السلوم، ثم تلاها بطعنة مباغتة بموت الصديق الكبير فهد العريفي، ثم بثالثة برحيل صديقي الصعلوك الفنان عبدالله بامحرز، ثم رابعة بغياب أستاذي الشاعر الكويتي الرائع خالد سعود الزيد، ثم بخامسة بموت صديقي الفنان صالح العزاز، ثم بسادسة في انطفاء النور المشاغب في حواري دمشق، ألا وهو الشاعر العربي الجميل ممدوح عدوان، ثم بسابعة بارتحال الصديق الشاعر الإنسان النبيل طلال الرشيد، ثم بثامنة بفقدان صديق العمر والأيام الصعبة (فرج التريكي)، ثم بتاسعة مباشرة برحيل (خالي أبو تركي) الذي آواني فقيراً، ورباني يتيماً، ثم بعاشرة بموت صديق (الصعلكة الحضارية الملهمة) عبدالله نور، ثم باغتني الزمن بالطعنة الحادية عشرة برحيل صديقتي (الفيلسوفة العجوز) أم عايض، يرحمها الله، التي كانت تمثل لي كل الوعي الأنثويّ في الكون، وكل الحكمة البشرية في ذاتها الناصعة.
* * *
وبالأمس، بالأمس القريب، وبعد قلق طال أكثر من (16) عاماً بانتظار الطعنة القادمة تناقلت الأنباء نعي الصديق الشاعر الأسير الغائب الحاضر الميت الحي، فايق عبدالجليل، الذي غاب منذ احتلال الكويت ليكتشف جثمانه الطاهر في مقبرة جماعية، ولم يتبق منه سوى الهيكل العظمي (وياقة) الثوب التي لم تبلَ، والتي كانت تحمل اسم الخياط الذي كنا سوياً نفصّل عنده ملابسنا منذ السبعينات (المقص الذهبي!!)، وكنا حينها قلما نتبادل (الدشايش)؛ لأننا كنا مهووسين بالملابس الإفرنجية، ونقلد محمد السنعوسي وزير الإعلام الحالي، وبعض التقدميين الكويتيين آنذاك، وكان - رحمه الله -؛ أي فايق، يلابسني وألابسه في البنطلونات والقمصان المشجرة، بينما كان يلابس صديقنا الثالث الشاعر نايف المخيمر - رحمه الله - صديقنا الرابع القاص المصري المبدع (سيد عثمان) الذي لم يزل على قيد الحياة، وكنا (نكشخ) - أربعتنا (فايق، ونايف وسيد، وأنا) -؛ لمعاكسة الجميلات في شوارع السالمية. وكان فايق - رحمه الله - من أرق ما عرفت من البشر، ومن أكرم الناس وأنبلهم، وكان لا يخفي علينا حتى زجاجة العطر التي تُهدى إليه لنتقاسمها معاً، وكان شاعراً حقيقياً وعاشقاً رهيفاً كالنسمة الوادعة، وإنساناً حقيقياً بكل ما تعنيه الإنسانية من نبل وجمال.
وسأكمل الحديث عنه في المقالة القادمة.
www.s-alfulih.com |