Sunday 25th June,200612323العددالأحد 29 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

شيء من شيء من
أين (مصالحنا) يا شيخ صالح
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

قرأت كما قرأ غيري رد عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ صالح الفوزان على الدكتور حمزة المزيني في جريدة الوطن. الرد كان استجابة من الشيخ على مقال الدكتور المزيني حول (فحوى) مادة المقررات الدراسية، التي هي محل نقاش وحوار وربما جدل، منذ أحداث 11 سبتمبر. وأنا هنا لا بد أن أسجل في البداية احترامي وتقديري لفضيلة الشيخ صالح الفوزان، ولا سيما أنه واحد من العلماء الذين يؤمنون بالحوار والأخذ والعطاء والمناظرة كما يبدو من ردوده في الصحف، وإن اختلفنا معه في بعض ما يذهب إليه.
من قراءتي لرد فضيلة الشيخ اتضح لي أن هناك ما يمكن أن نسميه خلافاً بين الشيخ والدكتور حمزة في زاوية الرؤية إلى الأمور، الأمر الذي جعل مثل هذا الاختلاف يؤدي إلى تباين في وجهات النظر، فأصبح من الصعب بسببه أن يصل المتحاوران إلى نتيجة عملية.
وأنا في هذه العجالة لن أتطفل على تخصص الشيخ صالح، فهو بلا شك عالم وصاحب فضل ومكانة. غير أنني سأضع أمامه (الوضع) الذي نعاني منه عالمياً من وجهة نظر واقعية، لأننا جميعاً مهما اختلفنا، فنحن وإياه نتفق على أن مصلحة الوطن هي غايتنا، وهي الهدف الذي ننشده أجمعين. وليسمح لي المتحاوران، الشيخ والدكتور، أن أطرح نقطة أراها جوهرية، وأجد أن من الضرورة بمكان إيضاحها للشيخ، ووضعها أمامه كما أتصورها، وله بعد ذلك (كعالم وفقيه) أن يُقرر.
يقول شيخنا في معرض رده: (وأما قول المزيني والعلاقة بينهما - أي بين المسلم والكافر - علاقة حرب وتنافس وقطيعة. فأقول عنه: نعم هو كذلك أوجب الله على المسلمين (حرب) الكفار وجهادهم بعد دعوتهم إلى الله ورفضهم دين الله بشرط أن يكون عند المسلمين (القدرة) على ذلك. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. انتهى.
وأنا هنا لا أعترض، وأبرأ إلى الله أن أعترض، على كلامه جل شأنه. غير أن الوضع الذي نتعايش معه الآن، الذي ترتكز عليه سياسة حكومة المملكة، منذ الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وحتى الملك عبدالله، يقوم على التعاون هو الأساس، وإننا ننبذ الحرب ونقدم (السلام) في علاقاتنا مع الآخر، وهذا - بالمناسبة - مقتضى معنى عضويتنا في (منظمة الأمم المتحدة)، وعلاقاتنا (الدبلوماسية) مع العالم الغرب والشرق معاً، والعمل الذي تؤديه سفاراتنا هناك.. قبول الأب المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - انضمام المملكة إلى المنظمة آنذاك يعني أننا وافقنا على شروطها، وأهمها أن يتخلى الأعضاء (إلى الأبد) عن الحرب والصراع الدموي بين الأمم، ويحل محله (التعاون) والتفاهم والتكامل بعيداً عن استخدام قوة السلاح، أو بمعنى فقهي: (الجهاد) القتالي. والشيخ صالح عندما يصر على وضع (القدرة) كشرط لعودة الجهاد (القتالي)، أو الحرب، كمنهج دراسي في (تعليم أطفالنا)، معنى ذلك أنك تنسف من حيث المبدأ ما أقره الملك عبدالعزيز حينما وافق على الانضمام لهيئة الأمم، وفي الوقت ذاته نعطي المبرر والحجة لمن يملكون العلم والتكنولوجيا والخبرة (الغرب والشرق معاً) لأن يتوقفوا عن نقل خبراتهم إلينا، لأن مقتضى رد الشيخ يقول: إذا ما أصبحنا (أقوياء) فسنعود لغزوكم وتدميركم، وأن السبب الذي يجعلنا نهادنكم، أو نسالمكم، هو أننا الآن (ضعفاء).. والسؤال الذي أريد من الشيخ - حفظه الله - أن يجيب عنه هو: هل تظن أنَّ مَنْ يملكون القوة، سيعطون مَنْ لا يملكون أي شيء، (السبب) والمبرر لأن يدمروهم؟. معنى ذلك - وهذه هي النقطة التي أتمنى أن يتفهمها فضيلة الشيخ - أننا من حيث لا نعلم نقف في صف أولئك الذين (لا يملون) من ترديد أن تطور و(قوة) المسلمين يعني أنهم (سيمزقون) كل الاتفاقيات يوماً ما، بمجرد أن يستشعروا قوتهم، ويعودون إلى غزوكم إذا ملكوا القوة، كما كان أسلافهم يفعلون، لذلك يجب تطويقهم، ومنع تطورهم، والوقوف كحجر عثرة كي يبقوا متخلفين، لا يملكون القدرة أو على الأصح: (القوة) لتدمير الغرب، وهذا تماماً، وحتى التطابق، ما يُردده التوجه الفكري المعادي للمسلمين في الغرب، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة، إلى تكريسه في الذهنية الغربية كما هو معروف. ومعنى ذلك - في المحصلة - أننا عندما نُعلِّم فلذات أكبادنا أن (الحرب) مع الكفار هي الأصل وأن (السلام) هو الاستثناء، كما فهمت من قول الشيخ صالح في العبارة التي أوردتها من مقاله، فنحن نسعى إلى إعطاء من يتربصون بنا، وبثقافة الإسلام، الذريعة والوسيلة (كاملة) لأن يعادونا، ويعادوا ثقافتنا، بل نعطيهم الحق كاملاً لترسيخ بقائنا ضعفاء، خاصة أن (التنمية) بمعناها الشامل لا يمكن أن تتحقق (إطلاقاً) إلا من خلال تعاوننا معهم، والاقتباس منهم، وإتاحة الفرصة لنا لكي نتعلم من حضارتهم.
وأنا هنا لا أقرر، ولا أتدخل فيما ليس من تخصصي، لكني أضع هذه الحقيقة أمام أنظار الشيخ صالح وغيره من فقهائنا كما هي على الواقع تماماً. والسؤال: هل سيتحمل الشيخ صالح التبعات الخطيرة و(المدمرة) التي تترتب على مثل هذه الممارسات في (علاقاتنا) مع الغرب، الذي نستورد منه، ومن حضارته، كل أسباب الحياة المعاصرة، من (الآلة) والحبر الذي نطبع به المصحف الشريف إلى (التقنية) التي نخرج بها الماء من باطن الأرض، أو نحلي بها مياه البحر، إلى المأكل والمركب والملبس، وكل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليوم.
هذا هو السؤال الذي أريد منه أن يجيب عنه، وأن يتذكر قول ابن القيم، رحمه الله: (أينما تكون المصلحة فثم شرع الله). وعندما تتعارض المصلحة مع نص شرعي، أو أنه (الدليل) كما يراه الشيخ، الذي يُطالب الدكتور حمزة بأن يقدمه، فما العمل؟

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved