Wednesday 21st June,200612319العددالاربعاء 25 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

رأي اقتصادي رأي اقتصادي
هل يعد إهدار الوقت سمة من سمات التخلف؟
د. محمد اليماني

لعل أهم مورد اقتصادي يمتلكه الإنسان هو الوقت، وقد جاءت السنة النبوية الشريفة مؤسسة لهذا المفهوم في أكثر من موضع سواء بالقول أو الفعل. ذلك أنه الحيز الذي يستطيع الإنسان خلاله العمل والإنتاج والارتقاء بمستوى معيشته ليس في الحياة الدنيا فقط - كما هو في الفكر الرأسمالي - بل وفي الحياة الآخرة.
ومن التناقضات الغريبة أنه المورد الأكثر معاناة من الهدر في مجتمعنا ومجتمعات الدول النامية بشكل عام، والأشد غرابة أن لا يؤبه لهذه المشكلة عند الحديث عن صور الهدر الاقتصادي وأشكاله.
وذلك مجاراة للغرب الذين لا يعانون منها مثلما نعاني، ولذا لا تأخذ مناقشتها حيزاً كبيراً ضمن أولوياتهم.
ومثلما ورد في الحديث الشريف بأننا سنتبع سنن من قبلنا حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه، ونحن نتبعهم حتى في تشخيص مشاكلنا، فما عدّوه مشكلة كان عندنا كذلك وما لم يعدوه مشكلة فنحن لسنا بدعاً من العالم حتى نبتكر مشاكل لم يبتكرها العالم المتقدم.
وتتنوع صور إهدار الوقت وتختلف حسب عادات الشعوب وثقافاتها، ومن ذلك ما نشاهده في طوال العام وتزايد الظاهرة أثناء الإجازة الصيفية حيث يمتد السهر لنصل الليل بالنهار. ومن يخرج في شوارع المدن الرئيسة بعد منتصف الليل يجد الشوارع مليئة بالسيارات والأسر التي تتسوق والمحلات المشرعة الأبواب وكأننا في رابعة النهار. ومن يخرج بعد صلاة الفجر بقليل يجد أسراب الشباب تعود إلى منازلها بعد قضاء الليل في أشياء تافهة، وفي نفس الوقت يشاهد المرء المقيمين خارجين من بيوتهم متجهين إلى العمل، ولعل هذا أحد أسباب فشل برامج السعودة.
كنت أشاهد برنامجاً عن عادات الشعوب والقبائل وعرضت فيه طقوس جلسات الشاي في أحد المجتمعات العربية والتي تستغرق ست ساعات كاملة ما بين إعداده وشربه.
وفي مجتمع آخر أضحى ارتياد المقاهي يومياً من بعد الظهر إلى وقت متأخر من الليل هو المعتاد والشاذ خلافه.
أما الزيارات والمناسبات الاجتماعية التي تستمر حتى ساعات الصباح الأولى وإلى ما بعد الفجر فتكاد تكون عادة شائعة في الدول العربية ولا تقتصر على عطل نهاية الأسبوع بل إنها تعم جميع أيامه ولياليه.
هذه وغيرها صور لقتل الوقت وإهداره ولا مبالغة في القول إن هذه الممارسات أخذت شكل الظاهرة التي تستدعي معالجة على المستوى الوطني. ذلك أن خطر هذه الممارسات لا يقتصر على من يزاولها بل يتعداهم إلى آخرين وإلى المجتمع كله. فهل ننتظر من مدرس يسهر طوال الليل أن يؤدي عمله كما يجب وأي رسالة يؤديها وأي طلاب سيتخرجون على يديه.
وعليه يقاس الطبيب والموظف والعسكري. وما فائدة الآلات والمعدات إذا لم يوجد من يتعامل معها بكفاءة؟! والمعالجة الوطنية لإهدار الوقت تهدف أيضاً لمساعدة المجتمع على توفير مصادر دخل جديدة له والارتقاء بمستوى إنتاجيته وبالتالي بمستوى معيشته، وتهدف أيضاً إلى تأصيل واحترام قيم ومبادئ العمل في نفوس الناشئة والارتقاء بالذوق العام. وهي مهمة لإنجاح كثير من البرامج والخطط التنموية.
وفي هذا السياق، فإنه من المهم عند رسم الاستراتيجيات والخطط أن تؤخذ الاعتبارات غير المادية في الحسبان ذلك أن المجتمعات لا تنهض بالمباني والآلات والطرق فقط، بل ربما أدى توافرها في ظل غياب مجموعة من القيم والمبادئ والأخلاق لدى الأفراد والمجتمع إلى واقع أشد سوءاً منه في ظل انعدامها. وتتأكد أهمية المعالجة على المستوى الوطني متى عددنا إهدار الوقت سمة من سمات التخلف لآثاره المباشرة وغير المباشرة، ولكونه سلوكاً غير حضاري يتنافى مع آداب المجتمع وعاداته.
ولا يمكن الحكم على مجتمع بأنه آخذ في الرقي طالما أن هناك خصلة من خصال التخلف لم يشرع في التخلص منها، فكيف إذا كان لا يزال يكرسها!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved