مايزال كثير من الناس - في خضمِّ غفلتهم وانشغالهم بالدنيا - ينسون أهميَّة الصدق مع الله، وإخلاص النيَّة والتوجُّه إليه، ولهذا يحصل من الناس المكر والكيد والخداع، ويتجرَّأون على الإساءة، ويتجاوزون الحدود مع أنفسهم ومع ربِّهم سبحانه وتعالى، ومع الناس من حولهم، إنَّ الصِّدق مع الله هو الذي يكوِّن عند البشر (الضمير الحيّ) الذي يرعوي عن السوء - وإن كان غائباً عن أعين الناس - ويميل إلى الخير ونشره وإن تجاهله الناس، وينثر أزاهير المحبة للخير وأهله، ويُشيع الإحساس بالأمان والهدوء في كل موقف يقفه.
(من صَدَقَ اللَّه نجا) مَثَلٌ عربي يحمل في طيَّاته سبب نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة ألا وهو (الصدق مع الله).
من صدق مع ربِّه تجنَّب الكذب والافتراء، وتجنَّب الظلم، وابتعد عن رخيص القول، وسافل الفعل، ورأى ببصيرته الحقَّ حقَّاً فاتَّبعه، والباطل باطلاً فاجتنبه.
من صَدَق مع ربِّه، أَتْقَنَ عمله وأَحْسَنَهُ، وأبعد نفسه - على قدر طاقته - عن مواطن الشك والرِّيبة، ورفع نفسه عن حضيض الانحراف عقيدة وفكراً وثقافةً وخُلُقاً، فهو مَقتدرُ خيرٍ لنفسه وللناس، لأن ضميره النَّقيَّ، الصادق مع ربّه لا يمكن أن يجعله من أهل الإساءة مهما كانت الأسباب.
من صدق مع ربّه لا يمكن أن يكون مهملاً في وظيفته، ولا مقصِّراً في عمله، ولا متلوِّناً في خلقه، ولامتطاولاً في قوله أو فعله، فهو لا يقبل إلا بالحق مهما كان مُرَّاً، ولا يرضى إلا بالصدق مهما كان صعباً، ولا يقبل أن يحيد عن الحق بمجاملةٍ لأحد، أو رشوةٍ من أحد، أو تهديدٍ من أحد، وإذا أخطأ تاب واستغفر، ولم يتطاول ويتكبَّر.
(من صَدَقَ اللَّهَ نجا) لأنَّ صدقَه مع ربِّبه سيجعله وَرعاً تقيَّاً، مخلصاً، جادَّاً متقناً للعمل، فهو بهذا يرقى بنفسه وبمجتمعه وأمته، ويكون كالمطر الهنيء، أينما وقع نفع.
حينما سأل ذلك الأعرابيُّ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام عن فرائض الإسلام فأخبره بها، انصرف وهو يقول: والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك - أي على فراض الإسلام الخمس - فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أفلح إنْ صَدَق.
هنا فَلاَحٌ متحقِّق، إنْ تحقَّق الصدق مع الله، والفعل الماضي أَفْلَحَ يدلُّ على أن الفلاح قد تحقَّق ووقع إنْ كان الصدق متحققاً عند ذلك الأعرابي، وعند غيره من الناس على مرِّ العصور.
وإذا أصبح ضمير الإنسان نقيَّاً، أصبح إنساناً سويَّاً تقيَّاً، فكان مصدراً للخير والحبِّ والوفاء، وساعداً قويّاً من سواعد البناء.
ما أحوجنا في غَبَش هذا العصر الذي نعيشه إلى (الصدق مع الله) وما أجدرنا بمجاهدة نفوسنا لتحقيقه!!
إشارة
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطلُ وكل نعيمٍ لا محالةَ زائلُ |
www.awfaz.com |