* مكة المكرمة - عمار الجبيري:
أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط أن فريقاً من الناس في غمرة الاغترار بالحياة والركون إليها والاشتغال بمطالبها ينسى ما لا يصح له نسيانه ويغفل عما لا يجوز له الغفلة عنه من أسس الاعتقاد وأصول التوحيد وقواعد الإيمان، فإذا به حين تحدق الأخطار وتطل المحن وترتقب الخطوب قد يعتري أمره خوف يصرفه عن السعي فيما يصلح به شأنه وتطيب به حياته وتحسن به عاقبته وخشية من مستقبل لا يدري ما هو مخبوء له فيه وتوجس من آت لا يتبين وجهه ولا يتحقق صورته ولا يدرك ماله ومنقلبه فينتهي به الأمر إلى الخشية ممن لا تصح الخشية منه وإلى الخوف ممن لا يجوز الخوف منه وكيف يصح أن ينسى المؤمن توحيده لله وإيمانه به وهو يتلو كتاب ربه في الغداة والعشي وقد بين فيه سبحانه هذا التوحيد وحسم كل مواد الإشراك به فأمره أن لا يخاف أحداً إلا الله وأن لا يخشى سواه.
وأكد فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام يوم أمس أن هذه الخشية من أعلى المقامات فليس عجباً أن تكون صفة الملائكة المقربين وأن تكون صفة النبيين عليهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأن تكون أيضاً صفة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وأن تكون أيضاً من صفات عمار مساجد الله.وشدد فضيلته على أن لا تكون ولا تصح الخشية إلا من الله وحده لأنه سبحانه المدبر لأمور المخلوقات كلها وهو الحي الذي لا يموت القيوم الذي تقوم به الخلائق كلها وتفتقر إليه أما غيره فهو عاجز لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن.وبيّن أن جميع الخلائق ليسوا في الحقيقة غير وسائط لإيصال ما قدره الله من أقدار وأن من الخطأ البيِّن قول من يقول إني أخاف الله وأخاف أيضا ممن لا يخاف الله فإن هذا قول باطل لا يجوز كما قال أهل العلم بل على المؤمن أن يخاف الله وحده أما من لا يخاف الله فإنه أذل من أن يخشى فهو ظالم من أولياء الشيطان والخوف منه قد نهى الله عنه وأما الخشية مما قد يصدر عنه من أذى فإنه لا يكون إلا بتسليط الله له وإذا أراد الله دفع شره دفعه لأن الأمر كله له سبحانه وإنما سلط على العبد بما اجترحه من السيئات فإذا خشي العبد ربه كمال الخشية واتقاه وتوكل عليه وأناب إليه واستغفره كفاه شر كل ذي شر ولم يسلط عليه أحداً فإنه عز وجل قال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه وقال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن ثمار هذه الخشية ظاهرة وآثارها بينة فإنها باعث على إخلاص العمل لله تعالى والاستدامة على ذلك، وطريق إلى العزة التي كتبها الله لعباده المؤمنين، وسبيل إلى صيانة النفس عن التردي في مواطن الذل، وداع إلى التحلي بمحاسن الأخلاق والنفرة من مساوئها، وسبب لبلوغ السعادة في الحياة الدنيا، وحامل على الأمن من الفزع الأكبر وإلى الفوز بالجنة والنجاة من النار وصدق سبحانه إذ يقول {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: إن في قول الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}، دلالة ظاهرة على أثر العلم بالله في بعد الخشية منه في قلوب العلماء به سبحانه فكل ما كان المرء أعلم بالله كان أعظم خشية منه. ونقصان الخوف منه كما قال الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله: (إنما هو لنقصان معرفة العبد له فأعرف الناس أخشاهم لله ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه وحبه له وخوف الخاصة أعظم من خوف العامة وهم إليه أحوج وهو بهم أليق ولهم ألزم). فإذا تبين أثر العلم في تربية الخشية كان هذا مدعاة إلى كمال العناية به وتمام الرعاية له وشدة الحرص عليه والسعي إلى بلوغ أعلى المراتب فيه.
|