Saturday 10th June,200612308العددالسبت 14 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ) (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ)
صدق الله العظيم (الأنبياء الآية80)
د.عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

فيما أعتقد أن عدداً من علماء المسلمين في عهود متفاوتة قد مضت؛ وجدوا في الوحي المنزل الكريم على رسول البشرية وخاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) ما ألهم المدارك، وهدى بمناهجه العظيمة ما وفقوا له من اكتشافات في علوم الحياة الكون بأفلاكه والنفس والطب... إلخ وشتى العلوم التي يؤكدها تاريخهم.
وحافز المعرفة متى اقترن بالتكريم والثواب أغنى الجهد وفعّل الإرادة عزيمة ومثابرة حيث قال الحق عزَّ جلاله {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} الآية 10 من سورة الملك.
وأنعم الرحمن الرحيم فيما أنزل كقول الحق سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} الآية 28 سورة فاطر.
وفي عصرنا الحديث تتسارع وتتدافع اكتشافات علمية أغنت الحياة المعاصرة (في مجالات عدة، الطب، الاتصالات، المواصلات، الفلك.... إلخ).
ومن طبيعة العلم وما يكتشف على طريقه من نظريات ومنجزات؛ منها ما يبقى أو يتطور وآخر يتبدل، ولأن من وراء هذا الجهد الإنسان؛ فلابد أن يؤثر الضعف الإنساني والقصور على ثبات بعض ما يُكتشف.
ومنذ فترة غير وجيزة اجتهد عددٌ من الغيورين على دينهم تفاعلاً مع الكم الهائل من تدفق العلم بمنافعه أو مضاره، فبادر بعض منهم إلى تبني مصطلح يُعرف بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
وأمام هذا المصطلح (الإعجاز العلمي في القرآن الكريم) بعض من ملاحظات: علوم العصر الحديث التي لها أساس أو مرجعية في القرآن الكريم أدت إلى تبني هذا المصطلح فيما أعتقد، ومن ثم المطابقة أو المقارنة.
لاشك أن هذا جهد تَلبَّس محب القرآن في سبيل فهم متميز، وتدبر لسوره وآياته. بكل التقدير أسجل ما هو أكثر من الإعجاب والتقدير لتلك الدوافع؛ إلا أنني أجد مسافة بين القصد والوسيلة؛ حيث إن نبل المقصد يقوى بحكمة وسائله وعلى سبيل المثال نقف أمام علم الأجنّة، وما جاء به القرآن يقين يحتاج الكثير من الفهم والتفكر والإيمان أما وسائل العلم الحديث فإنها تمر بمراحل لابد منها وعلى ضوء ما يكتشف منها تأتي النظرية وبالمقارنة والتحليل نقيّم جهد العالم ونظريته أما مجال المقارنة فإنه لا يحمل عجباً؛ فمن كمال الإيمان أن نحكم على جهد العالم بمقياس الأصل والثابت وليس العكس.
من البدهي حينما يشير القرآن الكريم إلى أمرٍ في طبيعة الخلق ومراحله فإن هذا لا يحتاج إلى علاقة من نسب أو تأكيد لمعجزة؛ فالقرآن الكريم بكامل محتواه وآياته الكريمة معجزة كبرى يعظم على ما سواها من معجزات؛ فلا يصح أن يؤكد ضئيلاً جاء بجهد إنساني يعتريه الكثير من النقص والقصور لنتخذ منه وسيلة في هذا المجال بغرض تأكيد ما جاء به القرآن الكريم، كما أن جهد العلم المتمثل في نظرية علمية قابل أمرها للتبدل أو بعض من قصور، وربما تتلاشى هذه النظرية لعدم صحتها أو صلاحيتها نسبة إلى الهدف، وأحياناً قد يرى العالم الذي من وراء هذه النظرية بعضاً من أخطاء أو عدم تكامل بنيتها.
كما أن إبراز وتأكيد قدرة الخالق فيما شاء وخلق من خلال هذا المصطلح يتوقف على من يوجه له هذا الخطاب؟ فإن كان مسلماً يأخذ به إيمانه بعيداً عن الشطط أو الزلل حتى وإن تم ما يعرض عليه من خلال كتاب يؤلف، أو برنامج تلفزيوني في حلقات تناقش وتحاور تحت تأثير هذا المصطلح ومن خلاله، حيث إن من كمال الإيمان أن نحكم على جهد العالم بمقياس الأصل والثابت (القرآن الكريم) وليس العكس.
ومن خلال ما يُعرض أو يُقرأ يقدم للقارئ أو المشاهد حقائق لا يقرب منها الشك فهي من لدن عزيز حكيم، وذلك إن هذا المصطلح يؤدي إلى مدخل لا جادة له؛ بل طرح قد يختلط معه الفهم ما بين الصانع والمصنوع ويتيه المعنى والهدف فتارة تجد المشاهد يميل لما يُطرح من معطيات علوم الحياة بتداخل مع مطلق الحقيقة كما جاء به المنهاج القرآني العظيم، ولاسيما أن تفاوت تكوين القارئ أو المشاهد يؤثر على إدراك القصد واستخلاص النتائج.
وأمر آخر على درجة من الأهمية؛ أن هذا المصطلح يأخذ بالمسلم في هذا العصر إلى دائرة الإدانة؛ فقد يسأل سائل قائلاً:
تقولون هذا وذاك جاء على ذكره القرآن الكريم بالإشارة أو التفصيل، ثم يتابع فيقول بعد أن صُدّر لكم من العلم الحديث ما تودون أن تقولوا إنه في قرآننا الكريم ألا يحق له أن يقول تقاعستم وضاع منكم الفهم كل هذا بزخم وفرته ومحكم قوله (القرآن الكريم) لم يُفعِّل الحافز لديكم؛ حيث المبادرة ثم المحاولة ثم السعي إلى النجاح.
ماذا سيبقى بأيدينا؟ المقارنة أو تأكيد أن هذا في محكم كتابه الكريم.
بهذا نعمل على إدانة مسلم هذا العصر بل نبشر بهذا، ولقد جاء في محكم الكتاب العظيم ما أنزل الحق سبحانه:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ، أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} صدق الله العظيم الآية 50 - 51 سورة العنكبوت.
ومن هذا المنطلق فإن بعضاً من حقائق شاء الخالق أن يعلمنا إياها، وهي الأمر الثابت بغرض أن نفسر المتغير من نظريات علمية مهما بلغ أثرها، وفي حالة ألا نجد إذناً من الله حجب عنا علمه فنتعامل مع العلم دون أن نقترب من القرآن الكريم، وفيما أرى أن المصطلح المشار له لا يحقق هذا الهدف إلا من خلال ترغيب المخلوق بالعلم والفكر، وما جاء به القرآن حول العلماء.
فالقرآن إعجاز بكامله، ولا أظن أن من صالح إيماننا تجزئة إعجازه، وقد يفتح هذا باباً لاجتهادات غير موفقة، وإذا كان المقصود الجانب العلمي في القرآن؛ فواقع الأمر أنه إظهار علمي وقضاء لقدر الله وقد علمنا إياه؛ لمزيدٍ من الإيمان لقدرته وحسن ما خلق بل استحالة أن نخلق ما يخلق الله عزَّ وجل حيث قال الحق سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} صدق الله العظيم، من الآية 26 سورة البقرة.
ثم إن قدرته مسلم بها لدى المؤمن فحينما نقرأ عما جاء به في علم الأجنّة، وغير ذلك مدعاة للإيمان والتدبر، وإدراك أن جبروت الإنسان أقل من أن يُعتدَّ به ما دام أن قدرته أي الإنسان محدودة، وحياته بلا خلود، ويحاصره العجز في بعض أموره ومصيره.
إن هذا الطرح الذي أقول به لا يؤكد صواباً ولا ينفي خطأً، والقصد تغليب الصواب على الخطأ بجهد الجميع، وخير ما يقال؛ القول الكامل من وحي أنزله رب العالمين على رسوله، وذلك في قوله عزَّ وجل.{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} صدق الله العظيم، الآية 17 سورة الرعد.
والله من وراء القصد الهادي والمعين.
1- الاستعانة بآيات من القرآن الكريم ليس القصد محاولة لتفسير الآيات، ولكن لتبيان علاقة قد يتطلبها الموضوع.
2- الخلاصة: إن العلم الحديث يستدل عليه بما جاء به القرآن وليس العكس؛ دون أن نستشهد بالعلم كوسيلة إعجاز تؤكد شيئاً تطرق إليه قرآننا الكريم أو أشار إليه.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved