كنت قد طلبت من طلاب إحدى مواد التحرير الصحافي بقسم الإعلام بجامعة الملك سعود أن يكتبوا في امتحانهم النهائي مقالاً صحافياً في أحد ثلاثة موضوعات، أولها عن أقسام الإعلام في الجامعات السعودية ما لها وما عليها، وثانيها الأزمة العراقية وتأثيرها على استقرار المنطقة، وثالثها مشاركة المملكة في كأس العالم، وماذا يجب أن يقوم به الجمهور السعودي لمساندة المنتخب في مسيرته القادمة التي ستبدأ من يوم الأربعاء القادم.. وبينما كانت نسبة من اختار موضوع أقسام الإعلام وموضوع الوضع في العراق هي نسبة بسيطة، إلا أن الأغلبية كانت قد اختارت الكتابة عن المشاركة السعودية في كأس العالم.. وأجدني اليوم أكتب في نفس الموضوع.. مشيراً إلى بعض الملامح التي عكسها هؤلاء الطلاب في تحليلاتهم المقالية..
كأس العالم مناسبة عالمية كبيرة، لها جمهور عالمي يصل إلى عدة بلايين من الناس في مختلف أقطار ومناطق العالم.. ولهذا فمصدر هذا الاهتمام والمدّ الجماهيري ليس بالضرورة تمثيل منتخبات تلك البلدان المشاركة (الاثنين والثلاثين)، بل يتعدى ذلك كون كأس العالم هو تحول من مناسبة رياضية إلى طقوس كونية جمعت حولها الصغير والكبير، النساء والرجال، الساسة والعامة، ومختلف شرائح المجتمع في جميع مجتمعات العالم.. هذه الطقوسية تحوَّلت إلى رمز كوني يدب في كل الكيانات الإنسانية - أو لنقل معظمها - ولمدة أربعة أسابيع - يُشكِّل تجسيداً للتنافس الرياضي الممتع بين منتخبات دول لها مكانتها ودورها في الرياضة العالمية.
الطقوس الكونية من حول العالم التي يلتف فيها أناس من مختلف مناطق العالم ليتابعوا منتخب ألمانيا أو منتخب البرازيل أو اليابان أو السعودية أو غيرها في سجال رياضي شريف يعكس بقوة الحالة العالمية الجديدة التي يتم فيها تفتيت الاختلافات بين الناس والثقافات في وحدة مشتركة تبني حالة نفسية من العناق المشترك مع هذه المناسبة.. ومن يتابع تعليقات أو تحليلات الناس من الجمهور العام في كل مجتمعات العالم يجد أن المعايشة النفسية مع الحدث وتطورات الحدث هي واحدة ومشتركة وطبيعية.
ونعود إلى المحاولات الطلابية في كتابة مقالاتهم عن المنتخب السعودي، حيث أجمعوا على أهمية ما يُمكن تسميته ب(الجبهة الداخلية) أي الجمهور السعودي.. ودوره في تعزيز الدور المعنوي الداعم للمنتخب.. وفي مقدمة هذا الدعم التشجيع العقلاني، والحسابات التقديرية الرشيدة حول نتائج المنتخب المتوقعة، فليس من اللازم رفع توقعات النتائج إلى مستويات فوق قدرة المنتخب، وحدود مستوياته الفنية والأدائية.. فيجب أن نصل إلى درجة متوازنة من التشجيع الواعي والمساندة العقلانية للمنتخب.. وهذه نقطة وجدتها مهمة في فِكر هؤلاء الطلاب الذين يمثِّلون شريحة مهمة من شرائح المشجعين الشباب في بلادنا.. وقد سعدت أن وجدت هذا الوعي لديهم في مسألة تشجيع الجمهور السعودي لمنتخبه المشارك في منافسات كأس العالم..
وبنشر هذا المقال يكون العالم قد دخل في أجواء المناسبة منذ يوم أمس الجمعة، ويتواصل الجمهور الدولي مع طقوسية الرياضة الجديدة في مسلسل رياضي متنامٍ ينتهي في التاسع من يوليو القادم.. وسيتابع الجمهور الدولي لحظة بلحظة مستجدات هذا المسلسل.. ولا بد من التنويه إلى أن الإحباط الجزئي سيصيب واحداً وثلاثين منتخباً في هذا التجمع الرياضي مع وصولنا إلى اليوم الأخير من هذه المناسبة الكبرى.. والمنتخب السعودي قد يكون أحد هذه المنتخبات التي يتوقف مشوارها قريباً أو بعيداً، فإذا كان قريباً فلنكن عقلانيين، وإن كان بعيداً فليستمر فرحنا.
*رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال، أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود |